الدكتور منجي علي بدر يكتب: مصر وهويتها الثقافية بين الثوابت والمتغيرات

الدكتور منجي علي بدر يكتب: مصر وهويتها الثقافية بين الثوابت والمتغيرات
نبحر في الماضي بحثاً عن كنوزه لنعيش الحاضر ونتحدى المستقبل بأدوات فاعلة لكي نشارك فيه ويتعاظم الدور العربي مرة أخرى بريادة مصر، إنّها مصر درة الشرق ومهد الحضارة ورائدة الأمة في السلم والحرب والقادرة على تحديات المستقبل، مصر يحرسها المولى سبحانه وتعالى.
نحن أبناء الشرق حيث الحضارات الممتدة والتنوع الثقافي والتواصل الإنساني الجميل، ووحدة المبدأ والتعاون المخلص والمبادرات الإيجابية.
نحن أبناء الشرق حيث الاحترام والوضوح والصراحة والشرف، اطمئن أخي المصري والعربي ابني وابنتي المستقبل لنا بشرط الإعداد وتقبل التحديات وقريباً إن شاء الله سنعود.
مصر دولة متعددة الثقافات مما يمثل الاندماج المثالي بين الثقافات المختلفة، إن ثقافة وتقاليد مصر تشبه بوتقة تنصهر فيها ثقافات وتقاليد متعددة خلقت صورة رائعة وعقلية تتبنى أفكاراً جديدة ومتطورة.
عاصرت مصر على مدار التاريخ وعصوره مجموعة متعاقبة من الحضارات التي اندمجت وانصهرت ونتج عنها مزيج حضاري متفرد وثري يتميز بأبعاده وأشكاله المتعددة، وهذا الزخم التاريخي عاد بالتأثير على الشخصية المصرية المشهور عنها التسامح والود وحُسن الضيافة والترحاب، وتفتخر مصر بعظمة وأبهة مواقعها التاريخية القديمة المنتشرة في كافة ربوع البلاد في تجربة استثنائية وفريدة من نوعها حيث امتزاج الحضارة القديمة والحديثة في بوتقة واحدة تتشابك وتتفاعل فيها.
ونرى أن العلماء والمثقفين والأدباء هم الحراس الحقيقيون على ثوابت الأمة وعقيدتها وفكرها وقيمها وتراثها ومقدساتها، وأن الثقافة من أهم مقومات المنعة والصمود والمقاومة والثبات في الأمّة، وأنها الجدار الأخير والأقوى والأكثر حصانة أمام الصعوبات التى تواجه الأمّة. إن الثقافة هي قوة مصر الناعمة وهى فلسفة تحققت على أرض الواقع من أجل هدف بناء الإنسان المصري ورفع وعيه لتمكينه من القدرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
ويمثل برنامج «حياة كريمة» تجربة تنموية وثقافية في نفس الوقت، فقد تم إنفاق حوالى 11 تريليون جنيه مصري على البنية التحتية في ربوع مصر، وأكثر من تريليون جنيه على مبادرة حياة كريمة في مرحلتها الأولى، ولها دور تنويري وتطوير الوعي المجتمعي من خلال أنشطة فكرية ومعرفية وثقافية متعددة، وتحقيق مبدأ «تحقيق العدالة الثقافية»، من خلال إطلاق العديد من الأنشطة الثقافية في مختلف المحافظات.
هذا، وتنفتح الريادة الثقافية المصرية على العالم مرة أخرى، وذلك بإبرام بروتوكولات تعاون ثقافي مع مختلف دول العالم، إضافة إلى التعاون في تدشين صندوق حماية التراث من آثار التغيرات المناخية، وذلك على هامش المشاركة في مؤتمر الوزراء المسئولين عن الشئون الثقافية بالوطن العربي.
كانت وما زالت الأمة العربية أمة واحدة بالرغم من الواقع المرير، فنحن قد نختلف على أشياء وقضايا إلا الثقافة، فهي تتجسد عند التذوق العربي للأغنية والفيلم المصري والأغنية الشامية أو مهرجان مغربي، فهي مسألة فطرية، ولا أحد يستطيع أن ينزعها لأنها متصلة بتكوين الإنسان نفسه، ولعل حفلات أم كلثوم كانت خير مثال على ذلك، وما زالت الشعوب العربية تتابع أغانيها بعد رحيلها بحوالي 50 عاماً.
وتبرز أهميّة التراث العربي في خدمة الهوية المصرية والعربية، وما يُنفق من مخصصات للدول العربيّة في مجال الثقافة غير كافٍ، حيث تلعب الصناعات الثقافية والإبداعية دوراً مهماً في دعم الاقتصاد الوطني والتخفيف من بطالة الشباب، ونشير لخطر الفصل بين التعليم والفنون في المدارس، ونؤكد على قيمة التراث حين يتم استثماره كرافد من روافد الاقتصاد الوطني.
وفيما يخص الصناعات الثقافية والإبداعيّة ودورها في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق عوائد اقتصاديّة تنعكس على اقتصاديات الأسرة وتخفف من بطالة الشباب، فهناك تجربتا سنغافورة وماليزيا، وإسهام الصناعات الثقافية بما يصل إلى 35% من الدخل القومي.
وندعو إلى التشاركية وقراءة المشروع التراثي لمدينة الفسطاط بمصر، ومركز الحرف اليدوية بالفسطاط كمركز للإبداع المتخصص، ودعم الشباب ضمن صندوق دعم التنمية الثقافية عبر البنوك، بهدف حفظ التراث والحرف ومساعدة الشباب، خاصةً أنّ دولاً كثيرة تغيّر اقتصادها من خلال تطوير مشروعاتها الصغيرة.
وفي محور خطر الفصل بين التعليم والفنون في المدارس، نتحدث عن التجربة المصرية في توخيها نشأة الأطفال في الصفوف المدرسية الأولى على الموسيقى والفنون، ونؤكد الدور الفاعل للثقافة ودورها الإيجابي مجتمعياً واقتصادياً وهي الناقلة لجذور الماضي لكي ينصهر مع الحاضر ويضبط حركة المستقبل ما بين الأصالة والمعاصرة والثوابت والمتغيرات.