تكنولوجيا النانو تحدث ثورة فى الطب والعلاج
كلمة «نانو» مشتقة من اللغة اليونانية وتعنى عالم الأقزام الخرافى المتناهى فى الصغر. ومصطلح «النانو تكنولوجى» أو تقنية النانو، معناها التقنيات التى تصنع على مقياس النانو متر، وهى أصغر وحدة قياس مترية، وتعادل واحداً على ألف مليون من المتر أى واحداً على مليار من المتر، ويمثل ذلك المقياس واحداً على ثمانين ألفاً من قُطر شعرة واحدة من شعر الإنسان!
ويهتم هذا العلم بتصنيع الآلات والأدوات والمواد إلى الدرجة النانوية المتناهية فى الصغر، وغير القابلة للملاحظة بالعين المجردة، ويمكن مقارنة حجم الجسم النانوى بالنسبة للأجسام الصغيرة المرئية بالعين المجردة مثل النسبة بين حجم كرة القدم وحجم الكرة الأرضية، وتستخدم تقنية النانو الخصائص الفيزيائية المعروفة للذرات والجزيئات لصناعة أجهزة ومعدات جديدة ذات صفات غير عادية فى شتى المجالات، فمن خلال استخدام هذه التقنية يصبح فى الإمكان إعادة بناء جزيئات أية مادة وتشكيلها حسب ما نريد، فأية مادة فى الكون تتكون من ذرات وجزيئات، فإذا صار فى إمكاننا إعادة تشكيل هذه الذرات والجزيئات فإن هذا يعنى أن فى إمكاننا تغيير خصائصها وصناعة ما نريده، وسنضرب مثلاً للتقريب، فذرات الكربون هى المكون الأساسى للماس (الألماظ) حيث يتكون الألماس من سلسلة هندسية معينة من ذرات الكربون التى تتراص فى شكل محدد، كذلك فإن الفحم يتكون من ذرات الكربون أيضاً التى تتراص جزيئاته بطريقة هندسية أخرى معينة، وباستخدام تقنية النانو تكنولوجى فإننا نستطيع إعادة تشكيل ذرات الكربون الموجودة فى الفحم على الطريقة الهندسية التى تتراص بها ذرات الألماس، وهكذا يمكننا تحويل الفحم إلى ألماس، ومن ضمن تطبيقات تكنولوجيا النانو فى مجال الطب التى يجرى تطويرها حالياً هو استخدام الجسيمات النانوية لتوصيل الأدوية والحرارة والضوء وغيرها من المواد لأنواع معينة من الخلايا (مثل الخلايا السرطانية وهذا هو المشروع الذى يعمل على تجربته العالم المصرى د. مصطفى السيد من خلال علاج جديد باستخدام جزيئات الذهب، وقد تمت تجربته على حيوانات التجارب وتخلصت كلياً من السرطان)، ولقد صممت الجزيئات بحيث تنجذب إلى الخلايا المريضة فقط، مما يسمح بمعالجة تلك الخلايا مباشرة دون الإضرار بالخلايا السليمة فى الجسم.
وهناك أيضاً الجسيمات النانوية التى تقدم أدوية العلاج الكيميائى مباشرة إلى الخلايا السرطانية دون أن تصل إلى الخلايا السليمة، وهى لا تزال فى مرحلة التطوير والتجارب النهائية من أجل الحصول على الموافقة النهائية لاستخدامها مع مرضى السرطان، وقد نشرت أيضاً النتائج الأولية لدراسات المرحلة الأولى والثانية من التجارب السريرية لأول دواء للعلاج الكيميائى الموجه.
كما اكتشف باحثون فى جامعة إلينوى أن الجسيمات النانوية الجيلاتينية يمكن استخدامها لتوصيل الأدوية إلى أنسجة المخ التالفة، مما قد يساعد فى علاج كثير من الأمراض مثل ألزهايمر والشلل الرعاش وتصلب الأعصاب المتعدد وهى لا تزال تحت التجارب.
وقد طور الباحثون ما أطلقوا عليه الإسفنج النانوى المتناهى فى الصغر nanosponges الذى يمكنه أن يمتص السموم ويزيلها من مجرى الدم، وهذه الجسيمات النانوية عبارة عن بوليمرات مغلفة بغشاء خلايا الدم الحمراء الذى يسمح لهذه الجسيمات بالتنقل بحُرية فى مجرى الدم وجذب السموم والتخلص منها.
وقد توصل الباحثون أيضاً إلى طريقة جديدة لتوليد الموجات الصوتية القوية، من خلال استخدام عدسة مغلفة مع أنابيب الكربون النانوية لتحويل الضوء من الليزر إلى موجات صوتية مركزة يتم توجيهها نحو الخلايا السرطانية والأورام لتدميرها دون الإضرار بالأنسجة السليمة. كما يدرس الباحثون أيضاً استخدام الجسيمات النانوية من «البزموت» لتركيز الإشعاع المستخدم فى العلاج الإشعاعى لعلاج الأورام السرطانية، وتشير النتائج الأولية إلى أن الجسيمات النانوية من «البزموت» يمكن أن تزيد من جرعة الإشعاع الموجه إلى الورم بنسبة 90%. ويجرى تطوير العلاج الحرارى الذى يستهدف تدمير سرطان الثدى، وفى هذه الطريقة تعلق الأجسام المضادة فى الأنابيب النانوية مما يجعلها تتراكم فى الورم، ثم بعد ذلك تمتص الأشعة تحت الحمراء من الليزر بواسطة هذه الأنابيب وتنتج الحرارة التى تحرق خلايا الورم.
وقد تمكن باحثون فى جامعة ميشيجان من تطوير أجهزة الاستشعار التى يمكنها الكشف المبكر عن مستوى منخفض جداً من الخلايا السرطانية يصل إلى 3-5 فى الملليلتر الواحد فى عينة الدم، وقد أثبت الباحثون أيضاً طريقة لاستخدام الجسيمات النانوية للكشف المبكر عن الأمراض المعدية فى مرحلة مبكرة للغاية، وأيضاً استخدام النانوتكنولوجى فى صنع التطعيمات المختلفة مما يكسبها قدرة مناعية وحماية أكبر.