للإرهاب وجوه كثيرة
قديما كانت للعدالة وجوه كثيرة، أما اليوم فقد اختلفت المعايير وأصبح للإرهاب هو الآخر وجوه كثيرة، وفقد الإرهاب التقليدي هيبته وتفرده.
هذا ما أثبته حادث دهس عيد الميلاد بمدينة ماجدبورج شرق ألمانيا، أثبت الحادث وما تم تداوله من معلومات أولية عنه أنّ مفهوم الإرهاب قد توسع ليشمل أطيافا أخرى وأفكارا متنوعة، ولم يعد الإرهابي ظاهرا بصورته النمطية التقليدية، ولم يعد هو ذاك الإسلامجي الملتحي المتشدد فقط، بل امتد الأمر ليشمل تيارات فكرية أخرى!
دعونا نتفق في البداية على أنّ الحادث كارثي، وأنّ الضحايا الأبرياء لم يكونوا يستحقون هذه النهاية المأساوية، لكن بمراجعة المعلومات الأولية وراء هذا الحادث ومتابعة حسابات المتهم الأساسي والوحيد حتى الآن على مواقع التواصل الاجتماعي، وكيفية انتقاله من المملكة العربية السعودية إلى ألمانيا عام 2006، يظهر أمامنا عدد كبير من الحقائق التي لا بد أن تأخذ حقها من المراجعة والاتفاق ما بين جميع دول العالم إذا ما كانت هناك نية صادقة لدى الجميع في الاستقرار وحماية المزيد من الأبرياء من الوقوع كضحايا للعمليات الإرهابية المحتملة!
أولى هذه الحقائق الصادمة هي أن المملكة العربية السعودية قد طلبت من السلطات الألمانية تسليم المتهم أكثر من مرة، وفي كل مرة يتم الرد على الطلب بالرفض، وهذا هو المشهد المكرر في كل قصة وفى كل حادث ومع كل متهم، حتى أصبح الغرب بشكل عام يشكل ملاذا آمنا لكل أصحاب الأجندات المتطرفة بالشرق، والأمر هنا لا يبدو مرتبطا بالحريات والمبادئ قدر ما هو مرتبط بمصالح يحققها الغرب عبر استخدام هذه الأدوات في الضغوط السياسية للوصول إلى أهداف متعددة ما بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن استخدامهم في ضرب المجتمعات الشرقية من الداخل!
ثاني هذه الحقائق هو ما نتج عن اجتماع المتطرف الديني والمتطرف اللاديني في الغرب، فأهم دوافع هذا الحادث الوحشي كان خوف المتهم مما سماه «أسلمة ألمانيا»، وقبول الحكومة الألمانية طلبات لجوء عديدة للمتطرفين الإسلاميين، ما جعل المتهم يشعر بالخوف والخذلان والقلق، ودفعه لارتكاب هذه الجريمة، لا سيما وأنّه بمراجعة حسابات المتهم على مواقع التواصل الاجتماعي نجد أننا أمام نموذج جديد من الإرهاب، بل دعونا نعترف بأننا أمام رجل منحاز للأجندات النيوليبرالية وللحروب الإسرائيلية بالشرق الأوسط، وداعم قوى للأفكار المتحررة!
ويأتي عدم فاعلية التعامل من جانب الشرطة الألمانية مع البلاغات والاستغاثات التي قدمها ذلك المتهم أو باقي ضحاياه الذين أقنعهم بالسير في نفس دربه كثالث هذه الحقائق المهمة، وهو أمر يُلقي بظلال عديدة حول قدرات الشرطة الألمانية على رصد التهديدات والتنبؤ بها قبل وقوعها، فضلا عن ضعف متابعتها لمن يملكون حق اللجوء السياسي بشكل عام، إضافة إلى المضايقات التي يتعرض لها نشطاء الحريات في بلاد الغرب، والتي تتشابه بشكل كبير مع ما يزعمون التعرض له في الشرق!
إن النتائج التي يجب على العالم أن يخرج بها من هذا الحادث عديدة، يبقى أهمها وأبرزها الاتفاق على مبادئ حاكمة لتعريف الإرهاب لتتواكب مع المتغيرات التي يمر بها العالم اليوم، وتتناسب مع ارتفاع قدرات الأفراد في إيقاع الأذى بالأبرياء في ظل التوسع في استخدام الآلات ومصادر الطاقة المختلفة، كما ينبغي أن يتوسع فهمنا لخطورة التطرف في أي مجال بدلا من إبقاء الأمر حكرا على دين بعينه، وأن تؤخذ طلبات تسليم الهاربين من بلادهم بجدية أكثر، وأن تُعلي جميع دول العالم المبادئ فوق المصالح، وأن ندرك جميعا أنّ تغليب المصالح على المبادئ لن يؤدي إلا إلى كوارث!