حتى لا نبكي على الحاضر ونخسر المستقبل

مصطفى عمار

مصطفى عمار

كاتب صحفي

«كفاءة الكذبة إنه يكون فيها جزء حقيقي، ثم يتحط الأجزاء الأخرى، اللي الهدف منها تعظيم الضرر.. دي خطط، وده شغل، وده مش هينتهى.. اوعى تفتكر إن ده حاجة داخلية، لأ، الشغل بيتعمل من أجهزة مخابرات، لما تلعب مباراة.. الخصم اللى قدامك بيكون عايز يهزمك.. مهارتك إنك تكون مدرب ومستعد تفشل خطته».

هذا نص ما قاله سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، أثناء تفقده أكاديمية الشرطة ولقائه قيادات وزارة الداخلية المصرية.. وهو الحديث الذى أحدث تفاعلاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعى، بسبب الظرف الصعب الذى تمر به منطقة الشرق الأوسط، والتحولات الكبرى نتيجة تزايد الصراع الجيوسياسى بها.

الأمر الذى يجعلنا جميعاً ندرك أهمية وخطورة المرحلة والتفكير جيداً فى مستقبل هذا الوطن، وما يخطط له، وكيف تحاول القيادة السياسية العبور به من نفق مظلم، وسط منطقة مضطربة لا يعلم أحد ما يحمله المستقبل لها، وهو ما يتطلب فهمنا الدقيق لكيفية صناعة الشائعة والهدف منها، ومراحل تصنيعها حتى تتحول إلى حقيقة فى عقول الجمهور، للوصول للهدف الأساسي منها، وهو خلق حالة الشك والفوضى وعدم الثقة فى الدولة.

فلا شكَّ أن الشائعات باتت واحداً من أخطر الأسلحة التي تهدد استقرار الدول وتماسك مجتمعاتها.. فهي ليست مجرد أخبار كاذبة تنتشر بشكل عشوائي، بل أداة منظمة تُستخدم بدقة لإثارة الفتن، وضرب النسيج الوطني، وزرع الخوف والبلبلة فى النفوس، ولكنها أصبحت أكثر خطورة بفعل التطور التكنولوجي، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي.. فمن خلال منشور بسيط أو رسالة مجهولة المصدر، يمكن إشعال أزمة اجتماعية أو اقتصادية قد تستمر لسنوات.

فالشائعات تسير بسرعة الضوء، مدفوعة بالفضول وحب الإثارة لدى البشر.

والأخطر من ذلك، أن منصات الإعلام الرقمي تحولت فى كثير من الأحيان إلى ساحات لترويج الأكاذيب، دون رقيب أو حسيب.

إن خطورة الشائعات تكمن فى أنها تضرب فى صميم استقرار الدول، فكم من دول شهدت اضطرابات كبرى بسبب شائعات مغرضة! وكم من مجتمعات انقسمت لأن أفرادها صدقوا الأكاذيب دون تحقق! لأنها تلعب على استهداف الثقة، وهى العمود الفقري لأى دولة.

عندما يفقد المواطن ثقته فى مؤسساته، أو حتى فى محيطه الاجتماعي، يصبح عرضة للاستغلال من قِبَل الجهات التي تسعى إلى تدمير بلده من الداخل (تذكر الترويج لانتشار شائعة اختطاف الأطفال والترويج لها).

ويجب أن ندرك جميعاً أن التصدي للشائعات لا يقع على عاتق الحكومات وحدها، بل هو مسئولية الجميع، يجب أن تتحلى وسائل الإعلام بالمسئولية المهنية والأخلاقية، فتكون منارة لنشر الحقائق والوقوف أمام الأكاذيب وصناعها، خصوصاً مع انتشار منصات تستهدف الوطن.

وعلى الأفراد أن يتحلوا بالوعى الكافي لعدم تصديق كل ما يُقال، أو إعادة نشره دون التحقق من مصداقيته، لأنهم بذلك يشاركون فى إنجاح وتنفيذ المخطط الذى يستهدف وطنهم وأمنهم ومستقبلهم.

الشائعات ليست مجرد كلمات عابرة، بل قنابل موقوتة يمكن أن تدمر دولاً بالكامل.

وفى زمن الأزمات والتحديات، يصبح من الضروري أن نتكاتف جميعاً لمواجهتها، لأن الحقيقة، وإن تأخرت، هي السلاح الأقوى دائماً.

فلنكن جميعاً على قدر المسئولية، ولنحمِ وطننا من ألسنة الكذب التي لا تتوقف عن بث سمومها تجاه مصر الغالية.