الدكتور مصطفى جاد يكتب: حلاوة مصر

08:15 م | الثلاثاء 17 ديسمبر 2024

في مصر والعالم كله، فرق الفنون الشعبية هي الواجهة الأولى التي يقدم بها تراث أي بلد، وعندما يزور مصر أي ضيف نستقبله بفرق الفنون الشعبية، وأغانيها، لأنها تعبر عن الهوية الثقافية لأي بلد تمثله، فهي تقدم جميع الفنون الشعبية منذ مئات السنين حتى الآن، فكل بلد له ما يميزه من تراث فريد من نوعه ولا يتشابه مع غيره من مثيله في البلدان الأخرى. والفنون الشعبية هي طعم مصر، وحلاوة مصر.

الفنون الشعبية هي جزء من التراث الشعبي أو الفلكلور، والفلكلور يضم مجموعة من العادات والتقاليد منها العادات والمعارف والمعتقدات الشعبية، والفنون الشعبية تعنى فنون الأداء الشعبي، وتندرج تحت ثلاثة من الموضوعات الرئيسية وهي الموسيقى الشعبية، والرقص الشعبي، والدراما الشعبية، أو المسرح الشعبي.

تتميز الفنون الشعبية عن غيرها بثلاث سمات رئيسية هي، أولا أنّها فنون متوارثة جيلا بعد جيل، أي لها قدم وتتوارث عبر الأجيال، وثانيا أنّها تبدعها الجماعة الشعبية، ولا يوجد لها مؤلف فرد، وثالثا أنّها تمارَس حتى الآن، ولم تندثر، وهو ما ينطبق على كل التراث الشعبي بشكل عام ومن بينه الفنون الشعبية.

والرقص الشعبي أحد موضوعات الفنون الشعبية التي يمكن أن تجسد الكثير من عناصر التراث، والرقص الشعبي مرتبط بالحركة في المقام الأول والتي تتخذ شكلا معينا، فيما يخص حركة الجسم والقدم واليد، والرقص الجماعي، وجميعها لها أسس علمية في التوثيق والتدوين، والرقص الشعبي أيضا يرتبط بعناصر الموسيقى وآلات الموسيقى والأغانى الشعبية. كما يرتبط الرقص بعنصر مهم جدا وهو الأزياء الشعبية.

الرقص الشعبي أيضا مرتبط بالعادات والتقاليد الشعبية، ومنه المرتبط بالمواسم والاحتفالات الشعبية مثل الأفراح والحصاد والسبوع، فالرقص الشعبي من الفنون التي تشمل الكثير من عناصر التراث الشعبي.

عند الحديث عن فرق الفنون الشعبية ينبغي أن نفرق بين الرقص الشعبي في سياقه الشعبي الطبيعي (الارتجالي) في كل المناسبات، وبين ما يرتبط بصعود هذه الرقصات إلى المسرح، كفنٍّ احترافي، فرق الفنون الشعبية تستلهم البيئة الشعبية الموجودة، ليكون المصمم لهذه الرقصات على المسرح بحركة منتظمة وآلات موسيقية، بضبط معين على المسرح.

أي أن رقصات الفنون الشعبية يحكمها نظام الوقت والموازين الموسيقية والحركة والزي، الذي يكون موحدا في الغالب. أي أنّ فرق الفنون الشعبية عناصرها مستلهمة من التراث الشعبي الموجود في سياقه الطبيعي، لذلك نجد أنّ فرقة مثل فرقة رضا أتت شهرتها وعظمتها من أنّ محمود رضا مؤسس الفرقة، حرص على جمع التراث الشعبي المصري من البيئات المتعددة، وتمكن من خدمة هذه الفنون بتقديم تابلوهات الفرقة الرائعة. أيضا محمود رضا وأعضاء الفرقة القومية كانوا يرتبطون بشكل رائع جدا بالمؤسسات العلمية في الدولة، وفي مقدمتها مركز دراسات الفنون الشعبية التابع لأكاديمية الفنون، الذي يضم كل التراث الشعبي المصري بكل موضوعاته ويقوم بدور تنويري كبير.

وكانت فرقة رضا تستفيد بالاطلاع على ما تم جمعه في هذا المركز وتستفيد منه في تصميم الرقصات لتعمل بشكل عملي ومنهجي، وأيضا الفرقة القومية انتهجت النهج نفسه.

الفرق الشعبية الموجودة حاليا مرتبطة بالمحافظات التي تمثلها، وتقدم رقصات وأغانٍ مرتبطة بالبيئة الموجودة فيها، وكثير من الفرق أصبحت تقلد فرقة رضا في الاستعانة ببعض التابلوهات التي تؤديها، لكن الأساس من المفترض كل فرقة تعبر عن البيئة التي تنتمي إليها.

مصر فيها فرق كثيرة جدا للفنون الشعبية تستحق الإشادة، كل فرقة تتميز عن الأخرى بمدى ارتباطها بالبيئة الشعبية التي تمثلها، وكل فرقة لها تألقها ونجاحاتها الكبرى خلال تمثيل مصر في الفعاليات الدولية الكبرى، وكل فرقة تكاد تكون في حالة عشق مع تراثها، وكثير منهم يقوم بهذا العمل من واقع الحب والرغبة في الحفاظ على هذا التراث، ولكن أغلبها تحتاج إلى دعم إضافي لكي تتمكن من تحقيق المرجو منها، وبعض الفرق لا يوجد بها الدعم المادي الذي يمكّنها من التعبير عن نفسها بالشكل الكافي. حتى تظهر فى أفضل صورة، لأن الفرق تحتاج إلى مصاريف للأزياء والآلات الموسيقية والعازفين والمسارح وأدوات الصوت والإضاءة.