الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: إيتاء الزكاة (2)

كتب: الوطن

الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: إيتاء الزكاة (2)

الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: إيتاء الزكاة (2)

«الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيمَ الصلاة، وتُؤتىَ الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلاً».

هكذا أجاب سيدُنا رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، أمينَ الوحى سيدَنا جبريل حين سأله عن الإسلام، وليس معنى هذا القول أن الإسلام عبادات فقط، فإن هذه الكلمات القليلة التي أشارت إلى أركان هذا الدين الشريف الخمسة تضمنت ما تنصلح به حياة البشر ومعاملاتهم، فالشهادتان تحملان المرء على اتباع ما جاء به هذا الدين من أوامر طيبة وأخلاق حسنة حميدة والانتهاء عما نهى عنه من قبائح خبيثة وأخلاق سيئة ذميمة، والصلاة تنهى مقيمها عن الفحشاء والمنكر {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}.

وتأتى الزكاة لتبين أن من أركان عبادة الله تعالى تفقُّدَ أحوال الناس، وتعهّدَ المحتاجين منهم بالعطاء بصورة دورية يقوم بها المسلم القادر كل عام، وأزمنة الإخراج تختلف بحسَب اكتمال النصاب ودوران حول قمري كامل عليه عند صاحبه، وهذا يضمن تعهداً متصلاً لا ينقطع لأصناف ثمانية من الناس حدّدهم الله تعالى فى قوله سبحانه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

ويُلحظ هنا أن الآية سمَّت الزكاة صدقة، والصدقة مشتقة من الصِّدْق، وهى فى الأصل تُطلق على ما يَتطوَّع المسلم بإخراجه من المال تقرُّباً لله تعالى دون أن يكون واجباً عليه، فالصدقة اسم لغير الواجب المفروض على القادر إخراجُه من المال، والزكاة اسم للواجب إخراجُه، ورغم ذلك فإن الآية سمَّت الزكاةَ الواجب إخراجها صدقةً، وقد بيَّن العلماء شيئاً من حكمة هذا بأن المراد أن يتحرَّى المزكى الصّدْقَ فى إخراجه زكاة ماله، وتحرى الصدق معناه أن يؤدى ما يجبُ كما يجبُ، فهو أداء فيه توفية، فكما أمر المسلم بإقامة الصلاة فهو يؤديها مُوفّاةَ الأركانِ والآداب، فكذلك هنا لا بد من توفية الزكاة حقَّها.

وتسمية الشرع هذا الحق الواجب (زكاةً) له دلالة بيّنها السادة العلماء، حيث قالوا: أصل الزكاة النموُّ الحاصل عن بركة الله تعالى، يُقال: زكا الزرعُ يزكو: إذا حصل منه نُموٌّ وبركة.. وقد سُميت الزكاة بذلك الاسم لما يكون فيها من رجاء البركة، أو لتزكية النفس، أي: تنميتها بالخيرات والبركات، أو لهما جميعاً؛ فإن الخيريْنِ موجودانِ فيها؛ أي: فيها بركة فى المال الذى أُخرجت منه الزكاة، وفيها تزكية وتطهير لنفس مُخرِج الزكاة.

ففي الزكاة تأدية لشكر نعمة الله تعالى على العبد، وشكر النعمة يقتضى زيادتها، يقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، ومعنى تأذّن: أَعلمَ؛ أي: أعلمكم الله تعالى إعلاماً واضحاً أنكم إن شكرتم نعمَه عليكم زادكم من عطائه وخيره، والشكر أن يعرف العبد نعم الله تعالى عليه ويعترف بها، ويحمد الله عليها، ويستعملها فى مواضعها التي أرشده شرع الله تعالى إليها.

وفى الزكاة أيضاً تطهير للنفس من البخل والشح {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، كما أنها تُحلّى نفسَ المزكى بالبرِّ وهو اسم جامع للخير والخصال الطيبة، يقول سبحانه: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِى الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ}.

والملحوظ أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وتُؤتىَ الزكاة» ولم يقل: وتعطى الزكاة، وكذلك جاء الأمر فى غير موضع فى كتاب الله تعالى، والإيتاء بمعنى الإعطاء إلا أن فى الإيتاء معنى ليس فى الإعطاء، فالإيتاء معناه أن صاحب المال يأتي للفقير بالمال، يقول علماء اللغة: الجوهري: آتاه أتى به، ومنه قوله تعالى: {آتِنَا غَدَاءَنَا}؛ أي: ائتنا به.

وهذا لأن الزكاة عبادة يؤديها صاحب المال، والعبادة يسعى العبد للقيام بها، وسعيه للفقير حتى يعطيه يطهر نفسه عن الاستعلاء بعطائه الذى قد يظهر فيمن يجتمع الفقراء على أبوابهم لأخذ الزكوات والصدقات.

وهذا ملحظ دقيق فى هذه العبادة الجليلة.

وإذا كان ذلك كذلك فكيف يقال: إن الحديث اقتصر على العبادات فقط؟!


مواضيع متعلقة