سوريا الجديدة والمستقبل المجهول!

محمد صلاح

محمد صلاح

كاتب صحفي

مغادرة بشار الأسد إلى روسيا لم تكتب نهاية للأزمة ولم تضع حدا للمخاطر والتحديات التي تنتظر سوريا الجديدة التي ولدت مبتسرة في كل مكوناتها وسط صمت دولي مريب!

للأسف، فقد ولدت سوريا الجديدة محتلة، حيث لم تمر ساعات قلائل على ولادتها حتى تعرضت الجغرافيا السورية لهجوم كاسح وبلا أي سبب منطقي، حيث يقف جيش الاحتلال الإسرائيلي حاليا على بُعد أقل من 30 كيلومترا من العاصمة دمشق، ليحتل، دون حق جزءا كبيرا من التراب السوري العزيز، وذلك بالتزامن مع أكبر ضربة جوية تقوم بها إسرائيل في تاريخها، نتج عنها تدمير البنية التحتية العسكرية للجيش السوري في أيام قلائل!

الخطورة هنا ليست في خسارة الجغرافيا وحدها، ولكن في العديد من التهديدات والمخاطر التي تجعل استمرار سوريا موحدة أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا لدى أكثر المتفائلين، فالوحدة الوطنية بين أبناء الشعب السوري تعاني من عدد كبير من الأزمات، ربما أبرزها ميراث الدم الناتج عن سنوات الحرب الطويلة، فضلا عن الحملات المتبادلة من الترحيل والتعذيب والاستعانة بالأجانب، إضافة إلى الطموح الزائد لدى غالبية طوائف ومكونات الشعب السوري وارتباط الجميع بروابط عميقة ومتشابكة مع الداعمين الأجانب، ما يجعل القرار الوطني هنا ليس الخيار الأول، بل يمكن القول إنّه لا توجد رؤية أو أيديولوجية سورية وطنية واضحة تجاه المستقبل، ولا يوجد قارب واحد يتسع للجميع فى الوطن الجديد!

التحدي الثالث مرتبط بالتحدي الأول والخاص بخسارة الجغرافيا، والمرتبطة بخسارة الموارد وزيادة القوى العسكرية الإقليمية والدولية الموجودة في سوريا، ولا نتحدث هنا فقط عن أمريكا وروسيا وحدهما، بل نتحدث أيضا عن مقاتلين أجانب وتنظيمات غير رسمية وقوات إقليمية أخرى أبرزها إسرائيل، والأهم هو ارتباط هذه القوى العسكرية بالموارد الاقتصادية والطبيعية، ارتباط جعل من الشام الذي كان مصدرا للقمح بلا قمح، والذي كان مصدرا للنفط بلا نفط ولا طاقة ولا كهرباء، الشام الغني ملتقى خطوط التجارة البرية الدولية أصبح رمادا وركاما وتلالا من الأسمنت المدمر!

ولكن يبقى التحدي الرابع هو الأخطر خلال المرحلة الحالية، وذلك لارتباطه بطبيعة الدولة الوليدة وأيديولوجياتها وتوجهاتها المحلية والإقليمية، ولا تكفي هنا الخطب الرنانة ولا الدعاية الإعلامية المبالغ فيها لبث الطمأنينة في نفوس الجيران في ظل ما يشاع عن تصدير الثورة لهم، فالتوجهات الدينية المتطرفة للقادة الجدد ليست سرا، ووجود عدد كبير منهم على قوائم الإرهاب الدولية ليس مفاجئا، ما يعني أنّ الكيان الجديد سيتعرض للعديد من محاولات الابتزاز من جميع القوى الإقليمية والدولية كي يحظى بالاعتراف الدولي!

وتبقى أيقونة الحكمة وقت الأزمات هي أنّه عندما تكون مجبرا على خسارة الماضي والحاضر فلا تقبل أبدا بخسارة المستقبل، والأزمة الكبرى في سوريا الحبيبة اليوم هي الانشغال بصراعات الماضي والغرق في تفاصيل بالية لن يكسب السوريون منها فلسا واحدا، وهي جريمة يرتكبها رعاة المؤامرة عمدا ومع سبق الإصرار والترصد، يريدون تكبيل السوريين بحبال الماضي حتى يستطيعوا الاتفاق على تقاسم المستقبل، يريدون أن يسرقوا الحضارة والتاريخ والسواحل والفرات والغاز والبترول والقمح والياسمين والكروم، ويتركوا للشعب السوري مستقبلا مهلهلا مفخخا لا توجد به سوى براميل من البارود لا يعرف أحد متى ولا كيف ولا أين ستنفجر!