جنوب لبنان على رادار الاستيطان الإسرائيلي (3)
منطقة جنوب لبنان كمنطقة حدودية لا يمكن الاكتفاء بمساحتها الجغرافية للدلالة على أهميتها، لكنها تكتسب موقعا بارزا ضمن مخططات الأمن والاستيطان الإسرائيلية، وفي الحسابات الجيوسياسية للحركة الصهيونية.
وترى إسرائيل أنّ المنطقة التي تمثل خط الهدنة مع لبنان، تشكل شريطا أمنيا حساسا، لأنها تضم سلسلة من المرتفعات والتلال في الأراضي اللبنانية وتطل على عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، كمرتفعات «المنارة» التي ترتفع لأكثر من 950 مترا، وجبل «عداثر» الذي يصل ارتفاعه لـ1006 أمتار، وقلعة الراهب في منطقة الشعب (731م)، إضافة إلى بعض مرتفعات إصبع الجليل التي تُعتبر امتدادا طبيعيا لمرتفعات جبل الشيخ التي تحتله إسرائيل منذ عام 1967.
وأدركت إسرائيل مبكرا أهمية هذه المنطقة، ووضعتها ضمن أولويات الاستيطان، وبنت مستعمراتها في محاذاة خط الانتداب (قبل قيام الكيان الصهيوني)، وتجاوزته شمالا إلى داخل الجنوب اللبناني، ومع هدنة عام 1948 امتد الاحتلال لمناطق حدودية لبنانية جديدة، وصولا إلى نهر الليطاني في الشمال.
ولم يُخفِ «بن جوريون» الطمع الصهيوني في المنطقة بقوله: «لا ينبغي الظن أنّ الجليل لنا، بعد الاحتلال العسكري.. وليس هناك إمكان لأن يكون في أيدينا جليل خالٍ ومقفر.. فإذا لم نسارع إلى استيطان الجليل الأعلى فهذه ستكون هزيمة سياسية، وينبغي إقامة سلسلة من المستوطنات على امتداد شاطئ البحر حتى رأس الناقورة، وعلى امتداد حدود لبنان كلها، لأن للاستيطان هذا قيمة عسكرية كبرى».
لم تقف الأطماع الإسرائيلية عند تجاوز الحدود اللبنانية فقط، لكنها تمتد إلى الأقطار العربية المحيطة، وهو ما كشفت عنه الوثيقة التي وضعها 3 باحثين إسرائيليين، ترأسهم مهندس المياه «إليشع كالي»، ونشرتها صحيفة «دافار» العبرية في عددها الصادر يوم 4 يونيو عام 1983.
وجاء في الوثيقة التى تم إعدادها بتكليف رسمي من حكومة العدو: «أن هدف إسرائيل هو السيطرة على مصادر المياه، وشق وإصلاح وإنشاء الخطوط الحديدية والطرق لربط إسرائيل بالدول العربية المجاورة».
وتعتمد إسرائيل على عدة ركائز اعتمدتها الحركة الصهيونية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، بينها التفوق العسكري على كل الجيوش العربية، وبناء ترسانة أسلحة نووية، في إطار نظرية الردع الاستراتيجي للعرب.
كما تعمل إسرائيل بنظرية الضربة الوقائية القاضية ضد الدول والجيوش العربية القوية، التي قد تشكل تهديدا لها، وتسعى لاحتلال أكبر مساحات ممكنة من الأراضي العربية المحيطة وضمها إلى الكيان، واستقدام أكبر عدد ممكن من يهود العالم وتوطينهم فيها.
ويتبنى الجيش الإسرائيلي تكتيك الضربات والعمليات الانتقامية في صورة مجازر جماعية ضد الفلسطينيين والعرب، وحرق وتدمير ومحو للمدن والقرى والبيوت والمزارع، كما يحدث في غزة منذ أكثر من عام، وفي جنوب لبنان الذي لم توقف عملياتها فيه رغم اتفاق الهدنة.
يشير الصهيوني «مايكل فرويند» في مقالته إلى أنه تم في وقت سابق من هذا العام (2024) تأسيس منظمة إسرائيلية «أوري تسافون» أو «استيقظ يا شمال»، لتشجيع الاستيطان اليهودي في جنوب لبنان، ويختتم مقالته قائلا: «سواء كان من الممكن أو من غير الممكن أن تترجم هذه الحقيقة الآن إلى واقع سياسي».
وأضاف: «تميل أحلام اليوم إلى التنبؤ بواقع الغد، وخاصة في الشرق الأوسط، وأنه على الرغم من أنّ البعض قد ينظر إلى هذه الفكرة باعتبارها فكرة بعيدة المنال، فمن الجدير أن نتذكّر أنه قبل قرن من الزمان فقط كانت فكرة الدولة اليهودية ذات السيادة بعيدة المنال».
المؤكد أن الصراع العربي الإسرائيلي ممتد، ولا يجب الوقوف أمام أحداثه الدامية، والشائكة، ومآلاته المستقبلية جديرة بالترقب، فهو صراع متعدد الأطر: سواء كانت قومية، أو عقائدية، أو أيديولوجية، إنه صراع وجود، وإن كان في مظهره صراع حدود.. ولعلنا ننتبه.