«سفينة نوح» المصرية

مصطفى عمار

مصطفى عمار

كاتب صحفي

يرفض كاتب السيناريو أن يطور من أدواته، وأن يصنع حبكة درامية جديدة تبهر الجماهير المحتشدة ليسحر عيونهم ويغيبهم من جديد، اختار أن يعيد نفس الحكاية بنفس المفردات وبنفس المشاهد الركيكة والمصطنعة، ولكن الغريب أن الجماهير تفاعلت وصفّقت وصدّقت ما تراه أمامها.

ليلة سقوط نظام بشار الأسد بدولة سوريا، وإعلان دخول سوريا في مرحلة جديدة لا أفضّل أن أقيّمها الآن أو أتحدث عنها لأنها في النهاية اختيار للشعب السوري حتى لو كنا نعلم علم اليقين أنّها حدثت نتيجة تدخلات خارجية ودعم خارجي غير محدود للفصائل السورية التي سقطت في يدها المدن السورية واحدة تلو الأخرى دون أي مقاومة من الجيش السوري، أو بالأدق دون أي عناء يُذكَر، وكأنهم في رحلة صيد ترفيهية.

وبغض النظر عن أحمد الشرع وتقلباته بين حركات التيار الإسلامي المسلح بسوريا وصولا للصورة الأخيرة له حاليا، وما يمثلها، وما تحمله لمستقبل سوريا، علينا أن نحترم رغبة واختيار الشعب السوري، ولكن في الوقت نفسه، علينا أن ندقق النظر جيدا في واقعنا ومستقبلنا، ونعرف جيدا أنّ ما نحن فيه الآن تحقق فقط بتوفيق الله، وإرادة شعب، ووجود رجال مخلصين لتراب هذا الوطن أكثر من إخلاصهم لأرواحهم.

أتذكر جيدا حملات الهجوم والتشويه التي قام بها خوارج الإعلام من الخارج ضد مصر ورئيسها بعد الإعلان عن كل صفقة تسليح جديدة للقوات المسلحة المصرية لرفع كفاءتها وتطويرها للوصول بها إلى أكبر قدر من الجاهزية والقوة للدفاع عن أمن مصر القومي ووحدة أراضيها، كانت قصة تحديث مصر لجيشها وبنائه من جديد أشبه بقصة بناء سيدنا نوح لسفينة النجاة التي ظل يبنيها لسنوات وسط سخرية وتهكّم قومه.. حتى جاء أمر الله بالطوفان وأدركوا قيمة وأهمية السفينة التي صنعها نبي الله.

الجيش المصري بالنسبة للمصريين هو مركب النجاة الذي يعصمنا من الفتن والطوفان، ويشعرنا بأنّ ما نراه حولنا من المستحيل أن يحدث على أرض هذا الوطن؛ لأن هناك من يحميه ويدافع عنه ويرفض التفريط في ذرة تراب واحدة منه.. سيتذكر التاريخ هذه الأيام جيدا، وكيف وقفت مصر وشعبها وجيشها ورئيسها ضد مخططات التهجير، وكيف حمى الجيش المصري شعبه وتراب وطنه، لتظل القوات المسلحة وقائدها هما الدرع والسيف لهذا الوطن وشعبه.

سيتذكر التاريخ أن هناك رجالا تحملوا ما لا يتحمله بشر من حملات التشويه والكذب والافتراء لأنهم قبضوا على وطنهم بأيديهم كمن يقبض على قطعة من الجمر ليمر طوفان التقسيم والخراب بردا وسلاما على مصر.

المصريون تعلموا الدرس جيدا، وعرفوا وأيقنوا ما كان يُخطَّط لمصر بعد أن شاهدوه بأعينهم يُطبَّق في دول أخرى لا تختلف أحوالها أو ظروفها عنا كثيرا إلا في امتلاكنا لهذا الجيش العظيم وهذا القائد الذي تثبت الأيام أنه كان يبصر ما لا نبصره، ويعلم أن السنوات المقبلة تحتاج منا جميعا التكاتف والتضحية للحفاظ على هذا الوطن ومستقبله.