واشنطن في سوريا.. وموسكو في كوريا
فنجان من القهوة.. وريموت تليفزيون.. وشاشات إخبارية... عربية وعالمية... تطل على مسامعى كل صباح.. بأخبار ما زالت تعزز صراع الشرق مع الغرب.. حرب باردة ثانية بدأت فى التشكل مع ازدهار الصناعة فى الصين ووصول بوتين للحكم فى العقد الأول من القرن الحالى. تجلت ملامحها فى صراع تشاشينكو بأوكرانيا وثورته البرتقالية... وأحداث الربيع العربى.. وصراعات بحر الصين الجنوبى. ثم خرجت الحرب من (مرحلة البرود)... إلى مرحلة الحروب العسكرية و(بيع الأسلحة)... مرحلة يسعى الشرق والغرب لإذكائها.. لبيع السلاح.. وتكوين أحلاف جدد. وبناء عليه يبدو أن (الحرب العالمية الثالثة) تتشكل مع وجود خمس مناطق من النزاع العسكرى المحتدم بين عواصم الشرق والغرب.
المحطة الأولى فى (أوكرانيا)... صراع عسكرى بشكل صريح بين الشرق والغرب... بين موسكو التى أرادت تأمين باحتها الخلفية من صواريخ الناتو.. وأوكرانيا التى ما زالت تريد التحرر من الإرث السوفيتى القديم بالتوجه نحو الغرب.
(المحطة الثانية) فلسطين المحتلة... التى تنازع بها السلاح الأمريكى فى إسرائيل.. مع الصواريخ والتمويل الإيرانى من غزة ولبنان واليمن والعراق. سلاح من الغرب ضد سلاح من الشرق. إسرائيل ومن خلفها أمريكا.. وإيران ومن خلفها روسيا.
(المحطة الثالثة) كانت سوريا.. التى ظهر بها أبومحمد الجولانى مؤسس (هيئة تحرير الشام) الذى أعلن من قبل ولاءه لداعش ثم القاعدة... ثم تحالف مؤخراً مع فصائل (تقول إنها من السنة) لتطهير شمال سوريا من (الشيعة).
معركة قد تراها بوجه دينى بحت.. صراعاً بين الحكم العلوى لبشار الأسد ومن خلفه إيران.. ضد مقاتلين تصفهم بعض الشاشات بالتكفيريين.. بينما تصفهم أخرى بمقاتلين من السنة يحاربون الشيعة.. أما الوجه الحقيقى للصراع.. فهو معركة بين (هيئة تحرير الشام) الممولة من تركيا والمزودة بأسلحة وتخطيط أمريكى بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أو القوات الكردية الساعية للانفصال والممولة من أمريكا، ضد النظام السورى الذى يقصفهم بالطائرات الروسية والأسلحة الصينية وبالأموال والعناصر الإيرانية.. أى إنها معركة ثالثة بين الشرق والغرب.
(المحطة الرابعة) فى كوريا الجنوبية التى شهدت صراعاً بين الرئيس (يون سوك يول) وأحزاب المعارضة.. انتهى بمشهد وصفته هواتف السوشيال ميديا بالربيع الكورى. المعارضة اتهمت الرئيس أكثر من مرة بالانحياز للغرب خصوصاً عندما أراد إرسال الجيش لدعم أوكرانيا إلا أنها رفضت رغبته بالبرلمان. الرئيس أعلن الأحكام العرفية منذ أيام.. وحل الحكومة والبرلمان.. متهماً معارضيه بالفكر الشيوعى والسعى للتقارب مع كوريا الشمالية، وعلى الرغم من تراجعه فى القرار بعد ست ساعات عقب ضغوط دولية وداخلية إلا أن خروج الملايين للشوارع ضده حتماً سيظل مشهداً لن ينسى على الإطلاق. وسيظل مؤكداً أن الوضع ما زال قابلاً للاشتعال بين أطراف ساعية للسيطرة على (درة الاقتصادات الآسيوية)، سواء من جارتها الشمالية ومن خلفها الصين وروسيا أو من البيت الأبيض الذى تنصل من الرئيس الكورى واتهمه بعدم التنسيق معه فى فرض الأحكام العرفية.. وهنا يظهر صراع رابع بين الغرب والشرق.
ويبدو أن (المحطة الخامسة) القابلة للاشتعال ستكون فى (تايوان) التى تسلحت مؤخراً بأنظمة دفاعية أمريكية... وبين جارتها (الصين) التى تصر على أن تايوان جزء من أرضها... بينما تستغل واشنطن الأمر بإذكاء الصراع بينهما. أى إن الأمر صراع خامس بين الشرق والغرب. أى إن الأمر برمته معارك عسكرية.. بين معسكر الشرق (روسيا والصين وإيران ومن خلفهما فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وكوريا الشمالية).. والغرب (أمريكا وأوروبا ومن خلفهما أوكرانيا وتايوان وكوريا الجنوبية).
وعلى كل الأحوال يبدو أن ترامب سيتسلم تركة ثقيلة من فتن (الحزب الديمقراطى) فى العالم كما فعل أوباما وكلينتون.. أما حسم الصراعات عبر إخمادها أو إذكائها.. فهو متروك لحاكم البيت الأبيض الجديد الذى حتماً ستظهر ملامح سياساته مع كل هذه الأطراف خلال العام القادم.