البلياردو.. بين ضربة "الأستكس" وكبسة زر

البلياردو.. بين ضربة "الأستكس" وكبسة زر
هدوء في أجواء المكان، أرقام تعلوا الكرات الصغيرة على منضدة خضراء في منتصف الغرفة، وأعين الجميع تترقب الكرة السوداء (ball 8)، فقد حان موعد بدء مباراة لعبة البلياردو.
ففي مقهى من مقاهي حي المعادي بمحافظة القاهرة، يتجمع الشباب حول طاولة البلياردو يوميًا لممارسة لعبتهم المفضلة، "أنا طول عمري وأنا بلعب البلياردو على الترابيزة، وماسك العصا (الاستكس) وبرتب الكرات بإيدي، مش مقتنع إن كل ده يتحول للعبة على الكومبيوتر ويبقى ليها طعم اللعب الحقيقي"، قال أحمد (23 عاما) وهو من رواد المقهى، هذه العبارات.
أحمد من مواليد الستعينيات، عاش طفولته في وقت لم تنتشر فيه أجهزة الحاسوب و"البلاي ستيشن"، كما يرى أحمد والكثيرون من رفاقه على المقهى، أن اللعبة لا معنى لها بغير أن تكون الأشياء ملموسة وتتحكم بها بلا وجود وسيط.
ومع الألفية الجديدة، تغير كل شيء، لينظر طفل التسعينيات من القرن الماضي بتعجب شديد، فأصبح بينك وبين اللعبة، شاشة ومواد مبرمجة وتحول إمساك "الاستيكس" والتحكم بالكرات تتم عبر ضغطات (click) على أزرار تُعطي أوامر معينة لبدء اللعب ونهايته,
ولمحمود رأي مختلف عن سابقه، "أكيد لعبة البلياردو على الكومبيوتر أفضل بكتير لأنك بتلعب مع أشخاص كتير وممكن تكون متعرفهاش، وأنا معجب بتلك التكنولوجيا التي جعلتني أسافر حول العالم وأنا في منزلي".
وللعبة نظام محدد ودقيق، فالبياردو أو لعبة "الثمان كرات" هي لعبة ترتكز على تحديد الكرة المقصودة، والجيب المقصود إدخال الكرة به "البوكيت"، وتتألف من كرة بيضاء، و15 كرة مرقمة من 1 إلى 15، ويدخل أحد اللاعبين الكرات المرقمة من 1 إلى 7، بينما اللاعب الآخر يقوم بإدخال الكرات من 9 إلى 15، واللاعب الذي ينهي إدخال مجموعته أولاً ثم يدخل الكرة رقم 8 "السوداء" يكون هو الرابح.
أما محمد حجازي، وهو صاحب مقر للعبة البلياردو، والذي مكث فترة طويلة يلعبها، فيقول "اللعبة مجرد تضييع وقت فهي للمتعة والتسلية"، وأوضح محمد أن هناك فروقًا كثيرة بين اللعبة في الواقع واللعبة على موبايل أو كمبيوتر، مؤكدًا أنه في الواقع يوجد تحكم كبير في ضرب الكرة، وتوجد متعة كبيرة لتواجد الأشخاص في المكان، وذلك أفضل من اللعب مع شيء غامض".
وتابع، أن "مكان لعب البلياردو لا يخلو من الأشخاص الذين دائمًا ما يترددون عليه لإجراء مسابقات، ودورات، ويقوم الخاسر بإهداء جائزة للاعب الفائز".
وأضاف "اللعبة في الواقع تحتاج إلى تركيز عالٍ، وجهد كبير، وذكاء شديد لإدخال الكرات في البوكيت، وفيها حماس شديد وتشويق أكبر لدرجة أن يصل اللاعبون إلى 10 ساعات حتى تصل إلى مرحلة الإدمان".
وما بين مُحب للعبة البلياردو على الطاولة، أو عبر وسيلة آلية، يتفق العديد من رواد المقهى أنهم يجدون في تلك اللعبة متنفسًا عن الهموم، ويتناسون بها مشاغل الحياة، فمع كل ضربة للكرة يزفر الشخص آلامه وأحزانه المتراكمة، وحين يريد التخلص من الكرات، وإسقاطها في "البوكيت" فهو يحاول أن ينفض همومه التي أغرقته في جيوب الحيرة، والألم.
والآن يقف ابن التسعينيات مواجهًا ابن الألفية الجديدة في صراع أيهما الأجدر بالبقاء، وبينما تتصادم الكرات إعلاناً عن معركة محتدمة، تتجلى الحياة بصراعها الثنائي ما بين الخير والشر، فالبلياردو -أكان واقعيًا أو افتراضيًا- هو نموذج مصغر للحياة بأكملها.