حزب الله وحماس.. اتفاق أم استسلام؟

أميرة خواسك

أميرة خواسك

كاتب صحفي

بمجرد تفعيل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله انطلقت تساؤلات كثيرة عبر وسائل الإعلام حول الرابح والخاسر فى هذا الاتفاق، وقبل الإجابة عن هذا السؤال، علينا بنظرة سريعة لنرى كيف كانت لبنان قبل اجتياح الجيش الإسرائيلى للجنوب اللبنانى، وكيف أصبح الحال اليوم، بعد أن تم تدمير كل الجنوب اللبنانى. 

ووصلت الغارات فى اليوم الأخير إلى وسط بيروت إلى حى الحمرا، واضطر مليون وثلاثمائة ألف لبنانى إلى ترك منازلهم وبلدهم والهجرة خارجها، وتوقفت السياحة إلى لبنان تماماً، إذن هى خسائر مادية ومعنوية لا قِبل لأى بلد بها، فما بال بلد كان يعانى فى البداية من أزمة اقتصادية طاحنة تكاد تعصف به.

هذا عن الجانب اللبنانى، أما حزب الله الذى جرّ على نفسه وعلى لبنان كل هذا الصراع، فإنه قد تمّت تصفية أهم القيادات والكوادر فى الحزب، وعلى رأسهم حسن نصر الله، وهاشم صفى الدين، وضربت قواعده ومخازن أسلحته وأماكن تجمعاته، وتركته حليفته إيران يواجه مصيره وسط علامات استفهام كثيرة، ثم ها هو اتفاق وقف إطلاق النار يُحجم نشاطه، ويدفع بالجيش اللبنانى إلى استعادة مسئوليته على الحدود فى الداخل.

أما على الجانب الإسرائيلى، فإن القوات الإسرائيلية لا تزال متمركزة فى جنوب لبنان، ولا يزال نتنياهو فى الحكم، ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تمده بالسلاح والمال، ولا يزال مستوطنو الشمال يتركون مدنهم وقراهم وبيوتهم، حتى يأخذ الاتفاق حيّز التنفيذ الفعلى، وبهذا يكون نتنياهو قد حقق جزءاً مهماً مما يريد على جبهته الشمالية.

ثم إذا نظرنا إلى غزة والضفة الغربية، فإن الخسائر بلا حدود، والدمار الذى خلفته الحرب لم يشهد العالم الحديث له مثيلاً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وها هى قيادات حماس تسعى إلى اتفاق مماثل للهدنة ووقف إطلاق النار يشمل تبادلاً للأسرى، ولا نعرف ما هى بنوده، خاصة بعد أن تتفرّغ إسرائيل لجبهة غزة بعد أن تفرغ من جبهة لبنان! وبهذا يكون الجبل قد تمخّض عن فأر صغير جداً.

فهل يمكن تصور أنه بعد أربعة عشر شهراً من الدمار والقتل التشريد والجوع والرعب والفزع من أهالى غزة، وبرودة الشتاء فى العراء وحرارة الصيف، والشهداء والجرحى والمستشفيات والمدارس التى دُمّرت والعائلات التى ضاعت، ومدن بأكملها تمّت تسويتها بالأرض، بعد كل هذا تسعى حماس لعمل اتفاق مماثل لتبادل الأسرى؟ هل هذا هو كل ما خرجنا به؟ فمن سيُعيد مدن غزة إلى سابق عهدها، ومن سيُعيد من رحلوا، وهؤلاء من مئات الآلاف الذين أصيبوا إصابات بالغة تسبّبت فى عجز جزئى أو كلى، من سيعيدهم إلى سابق حالهم؟

لا يعلم أحد إن كانت اتفاقية وقف إطلاق النار هذه ستستمر وتنجح أم لا، ولا يعلم أحد إن كانت حماس ستلحق بحزب الله فى إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع إسرائيل أم لا، ولكن الأمر المؤكد أن الموافقة بالشروط التى فُرضت على حزب الله، ومن المتوقع أن تُفرض مثلها وأكثر على حماس، ما هى إلا إعلان استسلام، ولا بأس من هذا، ولكن على أن تعود الجماعتان إلى صفوف شعوبهما. 

وليعلموا أن الكفاح ومقاومة الاحتلال لها قواعد محسوبة، عليهم أن يلتزموا بها تماماً، مثل الحروب لها قواعد محسوبة ونهايات متّفق عليها، فلا احتلال يستمر إلى الأبد ولا حروب تدوم إلى الأبد، وعلى المستسلمين إن كانا يملكان بعضا من الحنكة السياسية، أن يندمجا فى مجتمعاتهما ويبحثا عن قيادات جديدة لمرحلة نضالية جديدة تمكنهما من استمرار إحياء قضاياهما، واستخدام وسائل أخرى غير تلك التى استخدماها، لأنها فى النهاية أوصلتهما إلى الاستسلام.