قوائم الكيانات الإرهابية وإعادة الدمج

ماهر فرغلى

ماهر فرغلى

كاتب صحفي

بتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسي أصدر القضاء المصري قراراً يقضي برفع 617 من قوائم الكيانات الإرهابية، ويشكّل هذا القرار خطوة كبيرة سبّاقة في ملف حقوق الإنسان وإعادة دمج المتطرفين داخل المجتمع، ومحاربة التطرف بكافة أشكاله، الاجتماعية والدينية والنفسية والسلوكية.

وإذا نظرنا إلى التوقيت سنجد أنه صدر في نفس اليوم الذي وقعت فيه المذبحة الإرهابية البشعة للمصلين في مسجد الروضة بسيناء، ومع حلول هذه الذكرى صدر القرار ليؤكد انتصار مصر في ملف الإرهاب، وقوة الدولة وقدرتها، وفي ذات الوقت رأفتها وعدالتها والتزامها بالأحكام القضائية.

يمثل هذا القرار الخطوة الأولى في إعادة دمج المخطئين من أبناء الوطن، والمتطرفين، والممارسين لأنواع عدة من أشكال ومستويات التطرف، حيث تظهر الحاجة الملحة والضرورية لاتخاذ مجموعة من الإجراءات وتبنِّى سياسات تكون كفيلة بتحقيق أهداف الدمج للفئات المصابة بداء التطرف، بحيث لا تقف الجهود الحكومية والأهلية عند حد منع التحول من التطرف إلى الإرهاب، بل تنطلق نحو ضمان إعادة الفرد أو الأفراد إلى الحاضنة المجتمعية وقطع الصلة مع الأفكار المتطرفة، وتشمل تلك الإجراءات والسياسات الإجراءات الحكومية والأهلية، فمواجهة التطرف، ودمج المتطرفين، عمل شاق يتطلب تضافر وتعاون جميع الهيئات والمؤسسات.

وتُعتبر الخطوة الأولى في عملية الدمج هي فك الارتباط بين المتطرف والجماعة المتطرفة، ولنجاح عملية الفصل هذه يمكن تبنِّى عدد من المسارات المهمة لنجاح تلك العملية، أول تلك المرتكزات أن قضية التعاطي مع التطرف لابد أن تراعي عدم تجريم المتطرفين، وعدم التعامل مع أصحاب الفكر المتطرف على أنهم مجرمون، لما يمكن أن يحدث نتيجة توسيع دوائر التطرف ونقله إلى حاضنة الإرهاب، فالتطرف يمكن أن يبقى مجرد أفكار أو معتقدات مغالى فيها، أو مقولات منحرفة عن الصواب، تحتاج للمناقشة والتحليل ما لم ينتج عنها ممارسة العنف والإرهاب، وهذا النهج يسمح بإعادة أعداد كبيرة من المتطرفين ناحية المجتمع وبعيداً عن دوائر العنف والإرهاب، وهذا هو ما قامت به الدولة في قرارها الذي صدر.

وتأتي المرحلة الأهم في إعادة بناء الثقة بين الفرد المتطرف ومحيطه الأسرى والمجتمعي، عن طريق تصحيح التصورات المغلوطة لديه، وإعادة تفكيك المقولات الراسخة لدى الفرد حول طبيعة المشكلات التي يعاني منها، وطبيعة دور المحيط الاجتماعي والأسري تجاه تلك المشكلات، ويمكن الاستعانة في هذا الإطار ببناء حواضن بديلة تكون مساعدة في عمليات الدمج وإعادة تأهيل الفرد للتعاطي بإيجابية مع محيطه الاجتماعي.

ولمصر تجربة رائدة في مجال دمج المتطرفين والإرهابيين بعد قضاء عقوبتهم في السجون، وكذلك الهاربون خارج البلاد، ففي تسعينات القرن الماضي أطلق بعض قيادات التنظيمات المتطرفة المسجونون مراجعاتٍ فكرية أعلنوا من خلالها تخليهم عما سموه ممارسة العنف. واستثمرت أجهزة الدولة حينها هذه المراجعات، وعقدت سلسلة ندوات ولقاءات مع آلاف السجناء؛ بهدف إثنائهم عن أفكارهم الإرهابية وإعادة دمجهم في المجتمع. وساهمت هذه المراجعات الفكرية وما تلاها من حوارات فكرية داخل السجون في وقف هجمات المتطرفين والإرهابيين إلى حد كبير لنحو عشر سنوات.

وفي مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين اتخذت مصر العديد من الخطوات لتطوير السجون. ففي أكتوبر 2021م، تم تطوير مجمع «وادي النطرون» ليصبح مركز الإصلاح والتأهيل، وتم تحديثه كي يصبح نموذجاً لتطبيق معايير حقوق الإنسان في التعامل مع النزلاء فيما يتعلق بتوفير جميع سبل الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية لهم، وتأهيلهم للاندماج مرة أخرى في المجتمع عقب انتهاء فترة العقوبة.

ومن أهم الخطوات التي اتخذتها مصر أيضاً في هذا السياق هو تغيير اسم «قطاع السجون» إلى «الرعاية المجتمعية» ليعبر بصدق عما يحدث وراء الأسوار من جهود هدفها إعادة تأهيل النزلاء، وذلك بالتزامن مع إطلاق مصر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

أما الأفراد المتطرفون الهاربون فهم عرضة دائماً للتمويل والتجنيد والتشغيل من قبَل أجهزة معادية للدولة، وبقرار وتوجيه مثل الذى صدر من قبَل رئيس الجمهورية، فإن الدولة وحدها ستكون هي الحاضنة والبديل الطبيعي لهؤلاء عن المؤامرات التي تحاك ويتمّ استخدامهم فيها.

إن أهمية القرار نابعة من أن المتطرفين الموضوعين على قوائم الإرهاب سيبدأون من جديد دون تجريم، بحيث تكون لدى الفرد هوية جديدة مشتركة مع أطراف جديدة، وبمعنى أدق هو القبول المجتمعي، الذي يعالج عملية الاغتراب والوحدة ويعالج من الكراهية والغضب ولا يتعامل مع المتطرف على أنه عدو حالي أو سابق.