دور السيناريست في صناعة السينما المصرية
الموضوع مهم ويشغلنا لأن السينما المصرية لا تتراجع أهميتها مهما كانت الظروف، وتظل فى مقدمة الاهتمامات التي نتوقف أمامها طويلاً ونعتبرها من الأمور الجوهرية لحياتنا، فلا حياة بدون سينما ولا سينما بدون حياة.
أهداني الدكتور أحمد بهى الدين العساسى، رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، كتاباً من أحدث إصداراته، عنوانه: السيناريو والسيناريست فى السينما المصرية. الكتاب من تأليف سمير الجمل، وقد صدرت منه طبعتان فى مدة قصيرة، وهذا يؤكد إحساسى بأن السينما وأهل السينما من أهم الموضوعات التى يهتم بها المواطن العادى.
الطبعة الأولى صدرت 2002، والثانية 2022، أى إنه مرت نحو عشرين سنة بين الطبعتين، وهذا يعنى أن الموضوع مهم ولم تتراجع أهميته. وهذا الكتاب يُمثِّل درجة من الاهتمام بالسينما أتمنى المحافظة عليها وأن نجعلها تستمر فى حياتنا. فقد كانت السينما المصرية فى النصف الأول من القرن العشرين تُمثِّل ثانى رافد للاقتصاد المصرى بعد القطن، وما زال لدىَّ أمل خاص أن تعود إلى دورها مرة أخرى.
وعلى الرغم من أن المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون كان من المتصور أن تؤثر على مكانة السينما. لكن هذا لم يحدث، وما زالت السينما المصرية فى انتظار أن نهتم بها ونُخرجها من المأزق الذى تمر به. خاصة أن درجة الاهتمام بها لم تتراجع. بل استمرت وربما زادت.
وما زلت عندما أمر على سينمات «وسط البلد» وأرى بعضها مُغلقاً، أشعر بالأسى والحُزن وأتمنى أن يمتد بى العُمر حتى أراها تعمل كما كانت. وأعتقد أنه توجد الآن إرادة حقيقية لأن تعود السينما المصرية لسابق عهدها. وعندما ظهرت القصة فى الأفلام كان ظهورها لتعنى نصف الفيلم بعد معالجة الفكرة وإعداد القصة سينمائياً فى سياقٍ متتابع من المواقف والمناظر التى تعتمد على الصور المرئية.
وقد قرأت فى كتاب صديق عمرى وتوأم روحى جمال الغيطانى عندما أجرى حديثاً مع نجيب محفوظ فى حياته عن السينما. قال له نجيب محفوظ:
- السينما دخلت حياتى من الخارج، لم أكن أعرف عنها شيئاً. نعم كنت أحب أن أشاهد السينما. لكن كيف يُعد الفيلم؟ لا أدرى. كل ما أعرفه أن هذا الفيلم للبطل الفلانى.
ويعترف أنه لم يكن يعرف كتابة السيناريو، إلى أن قال له صديقه فؤاد نويرة إن صلاح أبوسيف المخرج السينمائى يريد أن يراه. كان لنجيب محفوظ عدة روايات آخرها كانت رواية: زقاق المدق. وهكذا ذهبا معاً لمقابلة صلاح أبوسيف وقال له صديقه إنه قرأ له رواية عبث الأقدار، وإن فيها عناصر من الممكن أن تكون سيناريو جيداً. ولكن نجيب محفوظ أبلغه أنه ليس لديه أى فكرة عن الموضوع.
وهكذا بدأ صلاح أبوسيف يشرح لنجيب كتابة عمل سينمائى. لكن نجيب محفوظ اعتذر لأنه متفرغ للأدب فقط. أيضاً فإن نجيب كانت عنده فى ذلك الوقت حساسية فى عينيه تجعل كتابة السيناريو مسألة صعبة. ويريد أن يترك حكاية السينما لغيره من الكُتَّاب.
وافق نجيب محفوظ وسجل نفسه فى نقابة السينمائيين. وإن كان قد توقف عن كتابة السيناريو عندما عُيِّن مديراً للرقابة رغم أنه كان متعاقداً على 7 سيناريوهات. كان ذلك فى عام 1959.
يعترف نجيب محفوظ أنه لم يكن سعيداً بكتابة السيناريو للأفلام السينمائية، فهو كروائى عنده وسيلته الأساسية الرواية والقصة. فَلِمَ لا يحاول فى هذا المجال الجديد؟ ويعترف نجيب محفوظ لصلاح أبوسيف أنه كتب رواياته وعينه ليست على السينما. ومع ذلك فقد قَبِل أن يحاول.
ويكتُب الناقد المرحوم سمير فريد فى كتابه: نجيب محفوظ والسينما أن هناك سلسلة أفلام كتب لها محفوظ السيناريو وعددها 14 فيلماً.
وهكذا كُتب نجيب محفوظ للسينما لم يقرأها أحد. ولكن الملايين شاهدتها عندما تحولت إلى أفلام ومنها: فتوات الحسينية، درب المهابيل، بين السماء والأرض، الناصر صلاح الدين، ثمن الحرية، دلال المصرية، الاختيار، ذات الوجهين، وكالة البلح، الخادمة، وهو الفيلم الذى أنتجته الفنانة نادية الجندى، وبعدها قرر محفوظ مقاطعة السينما تماماً. ولكنه لم يغلق الباب أمام تحويل رواياته الأدبية إلى أعمال سينمائية وتليفزيونية.
إن قصة نجيب محفوظ مع السينما تشكل صفحة مهمة في تاريخ السينما المصرية.