أحكام زكاة الفطر

الزكاة فى اللغة تُطلق على النماء والزيادة، والمقصود بزكاة الفطر عند الفقهاء تلك الصدقة الواجبة بالفطر من شهر رمضان، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها. وقيل هى زكاة الفطرة التى هى الخِلقة والطبيعة. ونوجز أحكام زكاة الفطر فى العناصر الخمسة التالية: (1) حكم زكاة الفطر: ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بوجوب زكاة الفطر على كل مسلم صغير أو كبير، ويخرجها كل مكلف عن نفسه وعمن تلزمه نفقته ديانة؛ استدلالاً بما أخرجه الشيخان عن ابن عمر -رضى الله عنهما- قال: «فرض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين». وذهب المالكية فى قول عندهم إلى أن زكاة الفطر سنة وليست واجبة، على تأويل قول ابن عمر: «فرض رسول الله، صلى الله عليه وسلم» أى قدّر وحدد مقدارها. كما أخرج الشيخان من حديث طلحة بن عبيد الله، أن رجلاً من أهل نجد جاء إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو ثائر الرأس يسمع دوى صوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات فى اليوم والليلة». فقال: هل علىّ غيرها؟ قال: «لا إلا أن تطوع». قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «وصيام رمضان». قال: هل علىّ غيره؟ قال: «لا إلا أن تطوع». قال: وذكر له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الزكاة. قال: هل علىّ غيرها؟ قال: «لا إلا أن تطوع». قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص. فقال صلى الله عليه وسلم: «أفلح إن صدق». قالوا: وليس فى هذا الحديث زكاة الفطر. إلا أن الجمهور أجاب بأنها داخلة فى عموم الزكاة. وأجيب عن ذلك بما أخرجه النسائى عن قيس بن سعد بن عبادة قال: أمرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله. (2) شروط وجوب زكاة الفطر: يشترط لوجوب زكاة الفطر صفة الإسلام عند جمهور الفقهاء؛ لكونها من العبادات. وذهب الشافعية فى الأصح إلى وجوبها على غير المسلم أن يؤديها عن أقاربه المسلمين. كما يشترط لوجوبها أن يكون قادراً على إخراجها بالإجماع، واختلفوا فى صفة القدرة، حيث ذهب الحنفية إلى امتلاك نصاب الزكاة من أى مال كان ذهباً أو فضة أو نعماً أو زروعاً؛ لما أخرجه أحمد بإسناد صحيح عن أبى هريرة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى». وذهب المالكية إلى أن القدرة على زكاة الفطر تتحقق بامتلاك المقدار الواجب عليه وعنده قوت يومه. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها تجب على مَن عنده فضل عن قوته وقوت مَن فى نفقته ليلة العيد ويومه. (3) مقدار زكاة الفطر: الأصل فى تقدير زكاة الفطر ما أخرجه البخارى عن أبى سعيد الخدرى قال: «كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط، فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت». ويرى الحنفية أن الواجب من القمح نصف صاع، كما يرى أبوحنيفة فى رواية أن الواجب فى الزبيب نصف صاع. أما باقى الأصناف فالواجب فيها صاع؛ استدلالاً بما أخرجه الدارقطنى -بسند ضعيف- عن ثعلبة بن صغير، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «أدوا صدقة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو نصف صاع من بر عن كل صغير أو كبير ذكر أو أنثى حر أو عبد». قالوا: والزبيب يلحق بالقمح لارتفاع ثمنه. والصاع كيل يزن كيلوين ومائتى جرام تقريباً. وذهب الحنفية إلى أنه يجزئ إخراج زكاة الفطر أن يكون بالقيمة من النقود، قالوا: وهو الأفضل؛ لتمكين الفقير من سعة الاختيار فى الأصناف المذكورة أو نحوها. وذهب الجمهور إلى عدم جواز إخراج القيمة؛ لأنه لم يرد نص بذلك. (4) وقت وجوب زكاة الفطر: أول وقت وجوب زكاة الفطر هو غروب شمس آخر يوم من رمضان عند الجمهور، وذهب الحنفية وأحد القولين عند المالكية إلى أن أول وقت لوجوبها هو طلوع فجر يوم العيد. وهل يجوز تقديم إخراجها عن أول وقت وجوبها؟ خلاف بين الفقهاء، حيث ذهب الجمهور إلى جواز تقديمها بيوم أو يومين؛ لثبوت ذلك عن ابن عمر، رضى الله عنهما. وروى عن بعض الحنفية فى قول مصحح عندهم أنه يجوز تقديمها من أول رمضان. وروى عن أبى حنيفة أنه يجوز تقديمها سنة أو سنتين كزكاة المال. (5) وقت إخراج زكاة الفطر: اختلف الفقهاء فى وقت أداء زكاة الفطر على مذهبين. المذهب الأول: يرى أن وقت أداء زكاة الفطر موسع مدى الحياة، ويستحب إخراجها قبل الذهاب إلى المصلى فى العيد. وإليه ذهب أكثر الحنفية، وهو مذهب ابن حزم الظاهرى. وحجتهم: أن الأمر بأدائها غير مقيد بوقت كالزكاة، فهى تجب فى مطلق الوقت، ففى أى وقت أدى كان مؤدياً لا قاضياً. المذهب الثانى: يرى أن وقت زكاة الفطر مضيق، حيث ينتهى بيوم العيد من عامه، وقيل بصلاة العيد. فمن أخرها إلى ما بعد يوم العيد أو صلاته أثم ووجب إخراجها قضاءً، لأنها وجبت فى ذمته. وإلى هذا ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة. وحجتهم: ما أخرجه الشيخان عن ابن عمر أنه قال: «فرض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زكاة الفطر، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة». وأخرج الدارقطنى بسند ضعيف عن ابن عمر، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «اغنوهم فى هذا اليوم».