بالصور| "أبو النجاة".. فنان تلقائي من "فوة" بكفر الشيخ حول منزله لمتحف

بالصور| "أبو النجاة".. فنان تلقائي من "فوة" بكفر الشيخ حول منزله لمتحف
بشرته السمراء.. تعلوها زبيبة دليل تدينه.. بيده أدوات حديدية بسيطة، مبرد صغير أو "أجنة" يقف على صنعها بنفسه عند الحداد، ينحت بها الصخر ليخرج لنا أشكالا رائعة جميلة، ومقتنيات تمتزج بالماضي والحاضر، من رمسيس الثاني للشيخ الشعراوي لآليات حربية، من طائرات ودبابات وجرار حديث بمحراث وآخر بلدي يجره الثيران.
من صنع يد "محمد أبو النجاة سيد أحمد سلام"، ذلك الرجل السبيعيني من العمر فهو من مواليد عام 1935، ابن مدينة فوة بكفر الشيخ على ضفاف النيل، التي لم تقتصر أنها ثالث مدن الآثار الإسلامية، كما لم تقتصر المحافظة على أثارها المكدسة بالمخازن، أو الملقاة في العراء، ولكن بها هذا الرجل، الذي حول منزله الريفي البسيط رغم ضيقه لمتحف لما تنحته يداه، يقتطع جزء كبير من وقته، ليمارس هوايته، ليجلس في خلوته، ينحت في الصخر، وفي الأوقات الأخرى يعمل في فك بقايا الصوف لبيعه مرة أخرى لمصانع السجاد في فوة، يقتات منه لعدم قدرته على العمل أجيرًا باليومية بالأراضي الزراعية، لأنه لم يعد يقدر على الفلاحة، لاعتلال صحته فلا أرضًا تأويه ولا وظيفة يعيش منها.
على ضفاف نيل رشيد، بقرية "فؤاد رجب"، تربى الفنان التلقائي محمد أبو النجاة، وتعلم من الطبيعة، حيث النيل وتاريخ الفراعنة، فكان يراقب أجداده، ينتظر اليوم الذي تعرض فيه أعماله، رافضا تكريمه بعد مماته مثل الموسيقار سيد درويش.
يسكن فنانا في قرية نائية، طرقها غير ممهدة إلا القليل منها، مهنتهم التي لا يعرفون غيرها هي الزراعة وتربية المواشي، والقليل منهم يعمل بمصانع السجاد والكليم في فوة التي أوشكت على الإندثار.
في منزله الريفي البسيط جدا، يقبع "أبو النجاة"، الذي تعلم القراءة والكتابة من تلقاء نفسه، معتمدا على سماع وقراءة القرآن الكريم بين ما نحتته يداه من تماثيل قديمة وحديثة، وآليات عسكرية لم يرها إلا في السماء أو التلفزيون، أو يحاكي الآلات الزراعية في بيئته، مؤكدا أنه منذ صغره وكانت هوايته هي تجسيد الطبيعة من أشخاص وحيوانات وآلات زراعية وغيرها، معتمدا على خامات الطين ثم تطور الأمر لاستخدام الأحجار البيضاء والرخام والجرانيت والفحم والرصاص.
قابلنا بابتسامة عريضة، رغم ما يحمله من هموم، أمسك بـ"ناي"، صنعه من البوص، لينشد ألحانًا حزينة، وكأنه يحكي قصته، ويبكي حاله، والإهمال الذي لحق بفنه، الذي يعتبر نفسه متفردا به، فلا الدولة سمعت عنه، كما أنه تعرض لحالات "نصب" متعددة، فسرقت بعض محتوياته بحجة عرضها على المحافظ أو غيره.
وعن أعماله قال "أبو النجاة"، أول أعمالي كان تمثالا للرئيس جمال عبدالناصر، أثناء افتتاحه للسد العالي ثم نحت تماثيل لشخصيات مشهورة منها، الزعماء سعد زغلول، وجمال عبدالناصر، وأنو السادات، والجندي المجهول، والسيدة أم كلثوم، وجسد سياسة الرئيس السابق حسني مبارك من خلال عمل "الحرب والسلام"، مضيفا "التقيت السيدة أم كلثوم عام 1967 في إحدى حفلاتها بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، وأهديتها تمثالا صنعته لها، فأهدتني هدية، وأمر المحافظ وجيه أباظة وقتها بمقابلتي في اليوم التالي ولكنني فشلت لأنني أرتدى جلبابا"، مضيفا "توجهت للتلفزيون المصري بأعمالي ولكنهم كانوا يقابلونني بالاستهزاء والاستهجان، وكثير من أعمالي ضاعت أو كسرت".
وأشار "أبو النجاة"،: "التقيت الفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، في إحدى زياراته للمحافظة، فأثنى على فني، هو والمستشار محمود أبو الليل، عليه رحمة الله، ولكن الوزير لم يهتم، وجملة ما حصلت عليه من مكافآت هي 190 جنيها، أنفقت ضعفهم حتى حصلت عليها".
وأضاف "أبو النجاة": "توجهت بأعمالي للشؤون المعنوية لأعرض أعمالي في إحدى حفلات انتصار سيناء، فتم تكريمي معنويا، أما مجلس مدينة فوة استولى على محتوياتي ولم أحصل عليها حتى الآن، وأطالب الدكتور أسامة حمدي المحافظ الحالي بالتحقيق في الأمر"، مؤكدا أنه تعرض لعملية نصب من إحدى السيدات بمدينة فوة بحجة منح تمثالين لـ"رمسيس الثاني"، و"توت عنخ آمون" من البازلت هدية لأحد المحافظين، وتوجهت له فأخبرني شخصيا أنه لم ير هذه التماثيل فحررت محضرا بالشرطة، ومذكرة للمجلس القومي لحقوق الإنسان.
"لم أيأس"، هكذا قال الفنان التلقائي، موضحا: "توجهت عام 1967 إلى دار الآثار المصرية بالقاهرة، وكلية الفنون الجميلة، لأعرض عليهم أعمالي وفوجئت بهم يتهموني بأنني سرقت هذه الأعمال، وقال لي عميد كلية الفنون الجميلة: هذه الأشياء إما أن تكون سارقها أو اشتريتها، واذهب من هنا حتى لا نبلغ عنك الشرطة"!!.
واختتم "أبو النجاة" حديثه، قائلا: "ما أره في التلفزيون من تكريم لمن يصنعون أشياء بسيطة يجعلني حزينا، فأنا لن أتسول تكريمي، كما أنني أرفض تكريمي بعد مماتي، ليكتشفوا أنني فنان، كما اكتشفوا فن الموسيقار سيد درويش، الذي كان يحمل المونة على كتفيه".