الحساب العبري للمرشد الإيراني

في «اليوم التالي» للضربة الإسرائيلية على إيران، التي تباينت الروايات عن مدى تأثيرها، فاجأ المرشد الإيراني علي خامنئي العالم بتدشينه حساباً باللغة العبرية على منصة التواصل الاجتماعي «إكس»، وكأنه ردٌ على الرد بحسب سخرية رواد المنصة وجيرانها من منصات (الهري).

وبعد ساعات من انطلاق الحساب الإيراني بلغة الأعداء، الذى لم ينشر عليه سوى بوست وحيد، حمل ترجمة عبرية لـ«بسم الله الرحمن الرحيم»، تم تعليق نشاط الحساب (حجبه)، بقرار من إدارة المنصة التى يمتلكها رجل الأعمال الأمريكى إيلون ماسك، المساند الأقوى للمرشح الجمهورى دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة.

وسيلح السؤال: وما قيمة الحساب العبرى للمرشد؟، وستتوالى من بعده أسئلة، وما مغزى التوقيت فى أعقاب الرد الإسرائيلى؟، ولماذا علقت «إكس» الحساب العبرى، بينما حسابات أخرى للمرشد وبلغات متعددة لا تزال موجودة على المنصة نفسها ومفعلة ونشطة، بالإنجليزية والفارسية والعربية؟ وقبل أن تتكاثر علينا الأسئلة، ويتحقق المراد من إطلاق الحساب وتعليقه، فإن علينا أن ننشغل بما يستحق فى ملف الصراع الإيراني الإسرائيلي، خاصة إذا علمنا أن للمرشد الإيراني سوابق حجب على مواقع التواصل الاجتماعي، ففى فبراير الماضي تم إيقاف حسابى «فيس بوك» و«إنستجرام» الخاصين به، بعد دعمه لحركة حماس فى حربها ضد إسرائيل. وقد اخترت أن أبدأ بقصة الحساب العبري للمرشد، لأنها جزء من سياق أشمل يستحق المناقشة، ويتعلق بحجم الضرر الذى أحدثته الضربة الإسرائيلية الأخيرة لأنظمة الدفاع الجوى فى طهران ومدى تأثير ذلك على قدرات إيران المستقبلية، وهل سترد إيران على الرد الأخير لإسرائيل، أم أنها ستنتظر ما ستسفر عنه الانتخابات الأمريكية، ويكون لكل حادث حديثه؟!

ويجيبنا عن سؤال اللحظة قائد الحرس الثورى الإيرانى حسين سلامى، الذى توعد إسرائيل بـ«عواقب مريرة»، فى تصريحات إعلامية متداولة.

وفى المقابل؛ أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن «الهجوم على إيران لم ينته بعد.. وستكون هناك تكملة»، ورغم هذه التصريحات النارية (العنترية) المتبادلة من الطرفين، فإن إيران وإسرائيل كلتيهما كما بدا من هجومى أكتوبر المتبادلين، قد خضعتا صاغرتين للعمل تحت السقف الأمريكى، إلى الآن، ولا أحد يضمن اللحظة المقبلة.

فلقد ابتعد جيش الاحتلال الإسرائيلى فى هجوم السبت الماضى عن المواقع النووية ومنشآت الطاقة، فى إشارة لعدم نيته بالتصعيد وإن كان وارداً أن يكون العكس صحيحاً وأن يكون الرد الإسرائيلى المحدود جزءاً من خطة تمويه تكتيكية، خاصة إذا انتبهنا إلى تصريحات أخرى لنتنياهو يؤكد فيها أن محددات هجوم إسرائيل وأهدافه، قد تم اختيارها «بناء على مصالحها الوطنية».

وفى كل الأحوال بدا واضحاً جدية إدارة بايدن فى ضغطها لمنع التصعيد وتحجيم جموح رئيس الوزراء الإسرائيلى، وقد يفسر ذلك بأنه مناورة سياسية من «نتنياهو» لتجاوز هذه المرحلة المتشابكة بأن يوازن علاقته مع المرشحين (الحزبيين) الرئيسيين فى الانتخابات الأمريكية، اللذين يرى العالم تقاربهما الشديد فى المنافسة، وبطبائع الأمور هو لا يريد أن يخسر أياً منهما، لا شك أن «ترامب» صديقه ويؤازره بقوة، لكن مَن يضمن نجاحه فى انتخابات الثلاثاء المقبل. لقد اختار «نتنياهو» أقل البدائل تكلفة، من بين خيارات متعددة وضعتها أمام أجهزته الأمنية والمخابراتية، وهو يتمنى أن ترد إيران بل وتسرع فى ردها، لتمنحه غطاءً شرعياً ليوسع من نطاق أهدافه، ويجعلها حرباً مفتوحة يورط فيها أمريكا، ويحقق حلماً تمنى تحقيقه طوال العشرين عاماً الماضية، بالقضاء على المشروع النووى الإيرانى وقطع أذرعها الممتدة بالمنطقة، وربما تكتمل أمانيه بسقوط نظام الملالى فى إيران.

وفيما يتعلق بغزة ولبنان، ورغم جهود مضنية عربية ودولية، لتحقيق أى شكل من أشكال وقف القتال أو التهدئة، إلا أنهما حتماً سيشهدان تصعيداً، خاصة على جبهة لبنان، التى استعاد فيها حزب الله بعض قدراته القتالية، وهو ما يمثل حرجاً لحكومة الحرب فى إسرائيل وجيشها، سيدفعهم لمزيد من الجنون، سيكون للأسف على حساب الشعب اللبنانى.

وتحاول إيران أن تستفيق من أثر الهجوم الإسرائيلى غير المعلوم نتائجه، فكلا الطرفين قد بالغ فى سرديته، وضاعت بينهما الحقيقة، وفى كل الأحوال يأخذ الطرف الإيرانى وقته دائماً إن كان ينوى الرد، متكئاً على المقولة الشهيرة: «أن تأتى متأخراً.. خير من ألا تأتى أبداً».

وللإنصاف، فقد أكدت شواهد العام المنصرم وحوادثه، أن لدى إيران قدرات عسكرية لا يستهان بها، ولولا الدعم الأمريكى ما كانت إسرائيل تجرؤ على تصعيد المخاطرة العسكرية مع طهران، وفى المقابل تتأرجح بقوة علاقة إيران مع أمريكا بحسب الجالس فى البيت الأبيض، لهذا أصدق بعض ما يتردد فى الإعلام الغربى من هجمات إلكترونية على حملة «ترامب» بأصابع إيرانية، أو حتى تورطها فى محاولة اغتياله الثانية المزعومة، فالعداء بين «ترامب» وإيران كبير، ووصوله إلى البيت الأبيض يعنى لا محالة تصعيداً خطيراً بين إيران وإسرائيل وانزلاق الشرق الأوسط إلى حرب مفتوحة وصراع وجود بين الدولتين.

وإنا لمنتظرون ليوم الثلاثاء المثير.. الذى سيكون بداية صفحة جديدة من قصة الصراع فى الشرق الأوسط.