كل أوراق اللعبة بيد أمريكا

تناولت فى مقالى الثلاثاء الماضى حالة الجذب والشد الحادثة بين إيران وإسرائيل، وتوقعت أن الضربة الإسرائيلية ستكون قبل ٥ نوفمبر موعد الانتخابات الأمريكية، وأنها ستقتصر على أهداف عسكرية، ولن تطول مصافى البترول أو مراكز الأبحاث النووية، وقد كان ما توقعت، حيث تمت الضربة فجر السبت الماضى واستهدفت 20 هدفاً فى مناطق عسكرية بمناطق متفرقة.

قالت إسرائيل إنها ضربة موجعة، وردت إيران أنها محدودة..

قالت إسرائيل إنها اخترقت المجال الجوى الإيرانى باستخدام 100 طائرة، وردت إيران أن الضربات تمت من خارج مجالها الدولى ولذلك لم تتعامل معها الدفاعات الجوية..

قالت إسرائيل إنها ستكتفى بهذه الضربة رداً على الهجوم الإيرانى الذى تم فى أول أكتوبر إلا إذا تلقت ضربة من إيران.. وردت إيران أنها ستنفذ ضربة رداً على انتهاك سيادتها وفقاً للشرعية والقانون الدوليين.

واختلفت ردود أفعال الدول، السعودية والإمارات وعمان والعراق أدانتها بقوة.

بينما وصفتها أمريكا وبريطانيا وألمانيا بأنها دفاع عن النفس ومن حق إسرائيل ممارسة هذا الحق.

وظنى أن هذه الضربة ستكون الأخيرة، لأن الولايات المتحدة تريد ذلك، وفقاً للتصريحات التى صدرت عن البيت الأبيض وكان مفادها أن أمريكا ستعمل على ألا تكون هناك مواجهة مباشرة بين طهران وتل أبيب.

وقد نفذت إسرائيل نصائح أمريكا وكانت ضربتها محدودة، كما أنها أبلغت طهران بالضربة قبل تنفيذها عبر ثلاثة وسطاء أحدهم وزير الخارجية الهولندى.

أمريكا لن تسمح بأن يتفاقم الوضع أكثر من ذلك بين البلدين، حتى لا تتدخل أطراف أخرى بالمنطقة -الصين وروسيا- لتظل هى اللاعب الأوحد بها والمحرك الأساسى لفعالياتها وتكون لها حرية إعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط كما تشاء وبما يحقق مصالحها.

من مصلحة إيران عدم الرد بضربة قد تدفع إسرائيل -بمساعدة أمريكا هذه المرة- إلى ضرب مراكز أبحاثها النووية والقضاء على حلمها النووى الذى قاست مرارة العقوبات الاقتصادية عشرات السنين لتحقيقه.

من مصلحة إسرائيل عدم استفزاز إيران أو الدخول معها فى مواجهة مباشرة مرة أخرى لأنها يمكن أن تتخطى الخطوط الحمراء وتضرب تل أبيب ومنصات الغاز الإسرائيلى، كما أن إطالة أمد الصدام العسكرى المباشر مع طهران سيرهقها ويستنزفها عسكرياً ويعطل تل أبيب عن تنفيذ مخطط «إسرائيل الكبرى» واحتلال غزة بالكامل، والجنوب اللبنانى، وأجزاء إضافية من سوريا بالإضافة إلى الجولان، ويؤخر خطتها فى القضاء نهائياً على القدرة العسكرية لحماس وحزب الله والحوثيين، والتى هى فى الأساس أذرع إيران.

أما أمريكا صاحبة المصلحة الكبرى، فإنها لا تريد أن تتأذى إسرائيل وفى نفس الوقت عدم تدمير إيران، حتى تظل تستخدمها «بعبع» الخليج واستمرار مبرر بقاء القواعد العسكرية الأمريكية بالمنطقة للحماية ضد المد الفارسى الإيرانى!.. بالإضافة إلى أن بترول إيران يتم تصديره إلى الصين -رغم العقوبات- وهذا فى حد ذاته يمنع الصين -أكبر مستورد للبترول- من اللجوء لمنتجى البترول فى الخليج فيزيد الطلب وترتفع أسعار البترول عالمياً، مما سيؤثر على المواطن والاقتصاد الأمريكى.

أمريكا تريد رقعة شطرنج الشرق الأوسط ثابتة لا يتدخل فيها أى لاعبين غيرها حتى تتمكن من أن تحرك أحجارها بحرية، تحتفظ بالقطع التى تريدها، وتتخلص من أى وزير أو ملك وقتما تتطلب المصلحة، وتدفع بأى قطعة لترقيها لوزير بما يناسبها طالما هذا الترقى يخدم مصلحتها فى اللعب، ويظل الجميع ينظرون وينتظرون ويحللون ويتناقشون، دون أن يكون لهم أدنى قدرة على التغيير أو إبداء الرأى.

وإذا كانت كل المؤشرات والدلالات الانتخابية تؤكد تفوق المرشح الجمهورى ترامب على منافسته الديمقرطية كاميلا هاريس، وأنه أصبح الأقرب إلى البيت الأبيض، فهذا لا يعنى مطلقاً أنه سيحدث تغير فى استراتيجية (أحجار على رقعة الشطرنج) التى تمارسها أمريكا فى الشرق الأوسط، ولكنه يعنى فقط تغيراً فى خطة اللعب، والتى قد يمارسها ترامب دون حروب أو دفع أموال من جيوب دافعى الضرائب الأمريكيين، أو الدعم بالسلاح الأمريكى، ولكن بسياسة الأمر الواقع بالاعتراف بدولة إسرائيل الكبرى، وتوزيع الفلسطينيين على دول عربية وأوروبية، بعيداً عن مصر، والتهديد بإلغاء التمويل الأمريكى للأمم المتحدة إذا استمرت منظمة «الأونروا» التى تغيث الشعب الفلسطينى، وقوات «يونيفيل» التى تحمى الأراضى والجنوب اللبنانى.

رحم الله الرئيس الزعيم الشهيد بطل الحرب والسلام أنور السادات، عندما قال إن 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا.. واستطاع بحكمته أن ينتزع حق مصر دون التنازل عن حبة رمل واحدة.

الآن كل أوراق اللعبة فى يد أمريكا.