عزيزى مجدى الجلاد.. أنا لست «صرصاراً» والشعب أيضاً
تابعت مقال الزميل مجدى الجلاد، رئيس تحرير «الوطن» المثير للجدل عنواناً ومضموناً فى عدد الخميس الماضى، وبمنطق الحجة دعونا نُفند المقال الذى حمل خلطاً بين مشاعر شخصية وتساؤلات طُرحت كمعلومات بشكل غير دقيق.
أعتقد أن الزميل مجدى الجلاد ينتمى لذات الطبقة الوسطى التى ينتمى لها غالبية المصريين على تنوع درجاتها. تلك الطبقة التى حملت أعباء وطن بأكمله، وقدمت كل ما تملك للحفاظ على قيمها ومبادئها، خاصة بعد الانفتاح الاقتصادى الذى هز كل شىء فى مصر. كما أعتقد أننا ننتمى لذات الجيل مع فارق ست سنوات لصالحه، لنكون نحن جيل نهاية الستينات، وأول السبعينات، الذى لحق هزيمة يونيو 67 وأدرك نصر أكتوبر 73، وعايش التغيرات والأحلام فى سلام يعم بالخير على بلادنا وأهلها. وشاهد البعث الثانى للإخوان وما نتج عنها من جماعات تكفيرية، وتابع توالى السقطات التى عبرت عن تراجع دور الدولة وهيبتها ورؤيتها فى حياة المواطن. نعم غابت الهيبة رغم بقاء السطوة وشتان بين الاثنتين. ولكننى أبداً لم أسمع أن جيلى تعلم ذلك الدرس الذى يحكى «الجلاد» عن أنهم علمونا إياه بأننا «حشرات وأننا أرقام بغيضة فى خانات السكان. وأن الإنسان فى مصر لا يساوى ثمن ورقة شهادة وفاته».
على العكس من ذلك، فقد أدركت منذ صغرى أنا ومن حولى قيمتنا كـ«إنسان» وأن ثراءنا الحقيقى فيما نقدم للحياة من إنجاز وما نأخذ فيها من نجاحات. فامتلأنا بأمل فى القدرة على الإنجاز والتغيير للأفضل فى ظل نماذج حقيقية للقدوة كنا نتابعها بعيداً عن أزمان العوالم التى سيطرت بحكم طغيان المادة، فاحترمنا الجميع وما يمتهنونه، مؤمنين بطهارة اليد «الشقيانة». ونقدنا الأوضاع وطرحنا رؤى للإصلاح نعلم أنه لن يستمع لها أحد، وانكفأنا على وجوهنا من كعبلة الفساد تارة، وغياب العدالة أحياناً ولكننا يوماً لم نفقد الأمل، ويوماً لم نشعر بالدونية. كان الامتلاء بالحياة أقوى من كل مشاعر الدونية التى حملها مقال الجلاد، فأكملنا المسيرة فخورين بالانتماء لوطن خالد حتى لو عاث فيه المفسدون.
وآتى لنقطة أخرى حملها المقال قال فيها الجلاد إننا شعب «ساذج وعبيط» «تتقاذفه الأوهام والأكاذيب» فيما يتعلق بمن يقتله!! فيتساءل عن هوية القاتل فى صف الشعب والجيش والشرطة، وفى صف الإخوان أيضاً. ليصل فى النهاية إلى سؤال صاغه بمنطق النتيجة غير المباشرة من أن ما يحدث فى مصر ومنذ سنوات هو صراع على الحكم بين الدولة والإخوان؟!
وتلك مأساة نخبة تتعامل مع شعب «90 مليون» بمنطق التعميم لرؤى يمتلكونها فى خيالهم دون أن يدركوا اختلاف التفاصيل بين طبقة وأخرى وبين فئة وغيرها وأنه لا يمكن التعميم سلباً أو إيجاباً، ومع التسليم بالفرضية، وبمبدأ التعميم، ألم تسأل نفسك عزيزى الجلاد عما قدمه الإعلام لهذا الشعب الذى تتقاذفه -الأوهام والأكاذيب- ليرتقى به فكراً ووعياً وخلقاً؟ أجيبك أنا. لم يقدم له سوى المسوخ التى ظنت نفسها قائدة رأى تقوده أينما تريد وقتما تريد، وثقافة المصالح لكواليس عالم المال الخفى، فنقلت للشاشات ثقافة الشارع وتفوقت عليها فى الصوت العالى والتضليل، ثم كيف تساوى بين جماعة تعلم تاريخها مثلى وأكثر وعلاقاتها بأجهزة المخابرات فى العالم وحاربتها مثلنا جميعاً -حين سرقت مصر فى غفلة منا بسبب نخبة قاصرة الوعى- وبين دولة هى أنا وأنت وملايين من المصريين وجهاز إدارى به 6 ملايين شخص ودولة عميقة ترفض الخطف أو دفع الفدية، ومؤسسة عسكرية تعرف قيمة الوطن؟ تطلب من الإخوان الدليل على نزاهتهم! أتصدق ذلك؟ وتطلب من الدولة الدليل على إجرام الإخوان! وهل أنت بحاجة لدليل؟
أتعرف كيف أرانا يا عزيزى؟ أرى غالبيتنا كـ«أبوسويلم» بطل «الأرض»، ذلك المصرى البسيط الفرح بالقليل، من يعانى الظلم وينتقد السلطة حينما تقسو ويرى فى الأرض عشقه مهما ألمت به الأحداث، فـ«يكبش» ترابها بيده حتى لو سالت دماؤه تروى عطشها. لم يكن إعلامياً ثرياً ولا صاحب منصب ونفوذ، ولكن التاريخ خلده.. وهكذا نحن كمصريين يخلدنا التاريخ، ولو عشنا على هامش الحياة.