السحور فى رحاب «السيدة» زحمة.. الحادق عند «الجحش» والحلو «رحمانى»

السحور فى رحاب «السيدة» زحمة.. الحادق عند «الجحش» والحلو «رحمانى»
منذ اللحظة التى تطأ فيها قدماك شارع «بورسعيد» حتى الوصول إلى ساحة ميدان مسجد السيدة «زينب»، أحد أكبر وأعرق ميادين القاهرة، والزحام يملأ كل ركن فى المكان، المقاهى يملأها المواطنون بعد الإفطار، وباعة يجلسون على الأرصفة بالعديد من لعب الأطفال، التى يلتف حولها الصغار فى صحبة ذويهم من أجل شراء ألعاب جديدة تكمل فرحتهم بالشهر الفضيل.[FirstQuote]
ليلة من ليالى «السيدة» أو «أم هاشم» كما يطلق عليها، هى أخت «الحسين» وبنت على بن أبى طالب وفاطمة بنت محمد، وحفيدة خاتم الأنبياء «محمد» صلى عليه وسلم، يأتى الناس من كل مكان، داخل القاهرة أو خارجها، يتجولون فى ساحة الميدان، ويتناولون وجبة السحور بصحبة عائلاتهم، حتى يؤذن لصلاة فجر يوم جديد من أيام شهر رمضان.
أمام محل «سوبيا الرحمانى»، يتكدس الطريق بالكثير من المارة، الذين أتوا إلى المحل الأشهر فى حى السيدة زينب، فيقول هشام إبراهيم أحد العاملين بالمحل وأحد سكان «السيدة»: «دائماً المكان فى حالة زحام، خاصة فى شهر رمضان، الكثير من الناس يأتون إلى حى السيدة، لأنه من أهم الأحياء فى مصر، ويتمتع بأجواء رمضان، التى تبدأ من قبل الشهر الكريم، ويتميز بوجود محال الفوانيس بجوار المسجد، وتجهيز موائد الرحمن، وأجواء صلاة التراويح التى يزدحم فيها المسجد بالمصلين. السيدة بتستقبل زوارها على مدار 24 ساعة، والزبائن هنا بيفضلوا موجودين لحد الفجر، وفى أيام مش بنعرف نسحر بسبب الزحمة».
عقارب الساعة تقترب من منتصف الليل، تبدأ المطاعم الموجودة بالميدان فى وضع الكراسى والطاولات، فى انتظار قدوم المتسحرين، بينما يقف شاب صغير، واضعاً إناء كبيراً به «تمر هندى»، على رصيف مجاور لمسجد السيدة زينب، ينادى بصوت عالٍ «تعالَ اشرب تمر، كله عند صاحب الأمر».
بجوار قسم السيدة زينب، يقع شارع «عبدالمجيد اللبان» أو كما يطلق عليه الناس شارع «الجحش»، الذى أطلق عليه نسبة إلى أشهر محلات الفول والطعمية الذى يقع فى الشارع، وهو محل «الجحش»، الذى يأتيه الناس من كل مكان لتناول وجبة السحور فى ليالى رمضان.
شارع مزدحم، الصخب يملأ المكان، وكل واحد عينه على الطعام الذى بين يديه، أسر عديدة جلست تتناول وجبة السحور، سيارات تسير فى الشارع الضيق، المزدحم بالطاولات على الجانبين، ورجل ستينى يحاول تنظيم حركة السير، فى الوقت الذى تتحرك فيها الطفلة «ملك» صاحبة العشرة أعوام، لتناول أحد الزبائن عدداً من أرغفة الخبز البلدى.
يقف على جانب الشارع رجل أسمر الوجه، كلما نادى على بضاعته كشف عن أسنانه التى سقطت بفعل الزمن، يعلو صوته بين الحين والآخر ليحث الزبائن على شراء الخبز «الأفرنجى»، فيقول أشرف خليل إنه يقف فى الشارع من الساعة 11 مساء حتى أذان الفجر، وهو التوقيت الذى يكثر فيه شراء الخبز انتظاراً لموعد السحور، قائلاً «الشارع دايماً كدا زحمة على طول، كله من الجحش».
يقول «أشرف» إن ازدحام الشارع بهذه الصورة يرجع إلى شهرة المكان، وإقبالهم على السحور فيه، حتى إن الزبائن يصل بها الأمر إلى غسل الأطباق بأيديهم، نتيجة ازدحام العدد وضيق الوقت قبل الفجر. موضحاً «الشارع فى الوقت العادى بيكون فاضى، لكن فى رمضان بيكون زحمة كدا، والناس من استعجالها بتغسل الأطباق بنفسها عشان تتسحر».
السمة الغالبة على المحل المزدحم، وجود عدد كبير من البنات الصغيرات والسيدات التى تعمل به، فتقول إحدى السيدات «إحنا شغلنا كله بيكون فى رمضان، لأنه موسم، وفى ناس بتيجى قبل الفطار وتفطر فول وطعمية، زى السحور بالظبط».
قبل أذان الفجر بدقائق معدودة، بدأت الناس تتحرك فى طريق عودتها إلى منازلها، ومنهم من جلس على المقاهى، ينتظر صوت الأذان من داخل مسجد السيدة زينب، بينما يجلس محمود عفيفى على كرسيه أمام مدرسة محمد على الإعدادية التى تقع بجوار المسجد، ويعمل هو حارساً عليها، فيقول «السيدة حى شعبى، دائماً لازم تلاقى الناس دى والزحمة كدا طول أيام رمضان».
يقول «محمود» الذى يبلغ من العمر 43 سنة، ويتقاضى 800 جنيه كراتب شهرى، إن الناس فى الماضى كانت أفضل، لم يكن لديهم أموال، ولكن كانوا أصحاب نفوس راضية، فكانت تعم البركة على أرزاقهم، لكن الآن لم يعد الحال كما كنا عليه مضيفاً «الناس زمان كانت حلوة وكويسة عن دلوقتى، وكان فى بركة والناس حلوة مع بعضها، دلوقتى فى فلوس لكن مفيش بركة».
دقات الساعة 3 و10 دقائق، يرفع المؤذن أذان الفجر، صوت الأذان يملأ أرجاء المكان، والناس متوجهة إلى مسجد السيدة زينب لأداء صلاة الفجر، فيما يقول محمود «يلا بينا نقوم نصلى الفجر فى السيدة».