«كلام في السياسة» عن السادات

بدعوة كريمة من الصديق العزيز الكاتب الصحفى أحمد الطاهرى، شاركت مع كوكبة من الكتاب الصحفيين ورؤساء التحرير البارزين فى حلقة خاصة عن الرئيس الراحل محمد أنور السادات، من برنامجه الناجح «كلام فى السياسة» المذاع على قناة «Extra News» الإخبارية الوطنية المتميزة.

وانطلق النقاش تأسيساً على ما جاء فى كلمة الرئيس السيسى خلال حفل تخرج الكليات العسكرية بمناسبة الذكرى الـ«51» لنصر أكتوبر المجيد، بالأكاديمية العسكرية المصرية بالقيادة الاستراتيجية، حيث وجه الرئيس تحية احترام وتقدير متجدد إلى روح البطل الشهيد محمد أنور السادات، مضيفاً: «ونقول لروحه اليوم: إن ما وهبت حياتك من أجله لن يضيع هدراً أو هباءً، بل وضع الأساس الراسخ، الذى نبنى عليه ليبقى الوطن شامخاً والشعب آمناً، يحيا مرفوع الرأس على أرضه، لا ينقص منها شبر، ولن ينقص بإذن الله، وهذا وعدنا وعهدنا لشعبنا العظيم».

وانطلق النقاش فى الحلقة من زاوية شديدة الأهمية، مستخدماً كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل «خريف الغضب» لفتح حوار ساخن حول حكم الرئيس السادات، فقد كان الكتاب رغم قسوته وتجاوزه فى حق الرئيس، إلا أنه الكتاب الأشهر عالمياً عنه، فقد تضمن فيضاً معلوماتياً وتحليلاً مهنياً عميقاً لفترة حكم السادات، وقد ذكرت فى مشاركتى بالبرنامج أن كتاب هيكل كان سبباً فى محبتى الكبيرة وتقديرى العظيم للرئيس البطل، فقد ساعدنى على فهم أعمق لتجربة الحكم فى عهده، وكان ما تناولته أمس فى مقالى «15 ديسمبر 1980»، اختصاراً لأهم انتقادات هيكل (وغيره) لفترة حكم السادات، وكلها اليوم مردود عليها بما تحقق فى واقع حياتنا.

لقد امتلك الرئيس السادات خيالاً غير مسبوق بين أقرانه فى زمانه، وربما فى أزمنة تالية، فأبحر عكس التيار بجرأة وقوة وشجاعة لم تستوعبه المرحلة السياسية التى عاشها، ودفعت قسوة الحياة وصعوبة التغييرات الضرورية التى أحدثتها قرارته جموع المصريين إلى قمة الغضب، فخرج بعضهم فى مظاهرات مدمرة سميت بانتفاضة الخبز سنة 1977، ونعتها السادات بـ«انتفاضة الحرامية»، وكلا الوصفين يتفق فى أنها كانت «انتفاضة».

وما كان لأحد أن يمنعها أو يوقف غضب المصريين، فلقد تحمل هذا الجيل من شعب مصر الذى عاش فى سبعينات القرن الماضى، فوق طاقة البشر، فهو جيل عاش مرارة النكسة فى 1967، وحقق النصر فى 1973، وبينهما مرت عليه أصعب السنوات على المستوى المعنوى والاقتصادى، وبالنصر العظيم عبر من اليأس إلى الأمل فى مستقبل مختلف، لكن بعد الحرب والنصر استمرت الجيوب خاوية والعيشة ضنك، وتوالت الوعود بالخروج من الأزمة الطاحنة التى فتكت بأحلام الشعب، فغضب وثار.

أظننا اليوم تفهمنا أكثر وجهة نظر الرئيس وقدرنا عدم خضوعه للضغط الشعبى وقتها، والذى كان سيغير مسار الأحداث والوقائع، ليست فقط مسألة الضغوط الاقتصادية، لكن حتى فى الرفض الواضح من أغلب النخبة السياسية والثقافية لاتفاقية السلام، وهو ما تسبب فى اعتقالات سبتمبر سنة 1981، والتى اضطر لها السادات خشية أن يتلكع الإسرائيليون فى تنفيذ آخر خطوات الانسحاب من سيناء ويتججوا بالرفض الشعبى للسلام معهم.

وقد كان هذا السؤال الأخير لى، حيث سألنى الأستاذ أحمد الطاهرى، ماذا كنت سأفعل لو كنت مكان الرئيس؟، هل كنت سأتخذ قرارات سبتمبر الشهيرة باعتقال أكثر من 1500 من المعارضين المصريين؟، وهى القرارات التى دفعت الأمور لنصل إلى حادث المنصة واغتيال الرئيس، وقد أجبت برفضى للقرارات، مؤكداً بإمكانية إيجاد حلول بديلة لهذا القرار تحقق نفس الأهداف.

وأوضحت أنه من المهم أن نسترجع الحالة التى كان يعيشها الرئيس السادات فى عامه الأخير، خاصة بعد زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، فقد استشعر الرئيس صعوبات اللحظة وتشابكاتها، وخشيته على ضياع قيمة النصر بسلام غير مكتمل، وهى مشاعر لم ندرك قيمتها إلا بعد سنوات طويلة، ولم نحصد نتائجها إلا اليوم ونحن نرى المنطقة من حولنا تشتعل، بينما حفظ السلام مصر من مصير مجهول، فى ظل الأوضاع المتقلبة فى إقليم «الشرق الأوسط» البائس.

وقد شارك فى هذه الحلقة المتميزة من برنامج «كلام فى السياسة» الزملاء الأعزاء، الدكتور محمد الباز، رئيس مجلسى إدارة وتحرير جريدة «الدستور»، والدكتور أسامة السعيد، رئيس تحرير جريدة «الأخبار»، والكاتب الصحفى محمد أمين، رئيس تحرير مجلة «أكتوبر»، والكاتب الصحفى محمود بسيونى، رئيس تحرير «أخبار اليوم».

كما تناولت المناقشات العديد من المحطات المؤثرة فى مسيرة حكم الرئيس الراحل، ومنها القضاء على مراكز القوى فى مايو سنة 1971، ومسألة «الخداع الاستراتيجى» السابقة لحرب أكتوبر، التى كانت الركيزة الأساسية للنصر العظيم، وتحدثنا عن منجز الرئيس فيما يتعلق بإعادة تأسيس النظام السياسى للدولة، بداية بإقرار الدستور الدائم لمصر سنة 1971، ثم تأسيس المنابر السياسية ثم أعقبه السماح بالتعددية الحزبية.

وختاماً، أجدد تقديرى لبرنامج «كلام فى السياسة» الذى أصبح من أهم البرامج الحوارية، تتسع فيه الرؤية وتتعدد الآراء وتختلف بما يتيح للمشاهد المصرى مساحة تحليلية متميزة.