كشف حساب غزة
مَرَّ عام على بداية الأحداث المروعة التى شهدتها غزة، ولم يمر العام إلا وقد لحقها الجنوب اللبنانى، وخلال هذا العام الحزين تؤكد آخر الإحصاءات والأرقام أن عدد الشهداء الفلسطينيين قد وصل إلى 42 ألف شهيد، و96 ألف مصاب، وحوالى مليونى نازح من فلسطين، و90% من سكان غزة تركوها، كما تم تدمير 120 ألف مبنى فى غزة، و215 ألف وحدة سكنية، كما دُمر 92% من الطرق الرئيسية، و84% من المرافق الصحية، و67% من المرافق و510 كم من شبكة الكهرباء. ناهيك عن الدمار النفسى والاجتماعى الذى لحق بأهل غزة، وتفشى الأمراض والأوبئة.
أما الخسائر اللبنانية فقد تجاوزت 52 ألف وحدة سكنية دُمرت بالكامل، والقضاء على مساحات شاسعة من الأراضى الزراعية أثناء موسم قطف الزيتون، وبالطبع انتكست السياحة والنقل البحرى وحركة الطيران فى وقت يعانى فيه الاقتصاد اللبنانى من مشكلات معقدة وتدهور على مدى السنوات القليلة الماضية، وعودة شبح احتلال الجنوب اللبنانى مرة أخرى.
أما خسائر مصر فقد تجاوزت الستة مليارات دولار من دخل قناة السويس، ونزوح آلاف الفلسطينيين إلى مصر، وتراجع حركة السياحة، ومسئولية إدخال المساعدات عن طريق معبر رفح، ثم انتهاك إسرائيل لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل بسبب معبر فلادلفيا، والأهم من كل هذا هو الغضب الشعبى داخل مصر بما يهدد استمرار عملية السلام التى استمرت لأكثر من ربع قرن.
لا يهمنا كثيراً الخسائر على الجانب الإسرائيلى، ولا يهمنا لو أزيلت إسرائيل بالكامل، ولكن ما يهمنا هو الخسائر المتلاحقة والممتدة طوال عام بالكامل على كل الأمة العربية، ولا يعلم سوى الله إن كانت ستنتهى أو ستستمر، وما هى التداعيات التى ستتعرض لها المنطقة، ومدى تأثر القضية الفلسطينية بكل ما جرى.. نحن إذن نعانى من خسائر فادحة مادية ونفسية واقتصادية وسياسية واجتماعية، وتراكم مشكلات معقدة ربما تمتد لعقود، وهو ما يثبت بالوقائع والأرقام أن ما أقدمت عليه حماس فى السابع من أكتوبر من العام الماضى كان كارثة على العرب أكثر بكثير مما هو على إسرائيل، بل هى جاءت بمثابة طوق النجاة لحكومة نتنياهو التى كانت تحتضر ومنحتها حماس قُبلة الحياة، بل حولت نتنياهو إلى بطل قومى استطاع أن يقضى على عشرات الآلاف من الفلسطينيين ويشرد مئات الآلاف ويقتل إسماعيل هنية وحسن نصرالله ويقترب من إعادة احتلال الجنوب اللبنانى مرة أخرى.
كل هذا فى مقابل بضعة أفراد من المدنيين الإسرائيليين، وعدد لا بأس به من الجنود والضباط الإسرائيليين وبعض المعدات التى تسارع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بتعويضها بأضعاف الكميات من الأسلحة وملايين الدولارات ودعم لوجيستى وإعلامى غير مسبوق.
إذن بعد عام من بداية مأساة غزة، علينا أن نقف ونتساءل بينما نحن ممزقون بين رغبة جارفة فى القضاء على هذا العدو الغاشم الذى لا يعرف للإنسانية طريقاً ولا للشرف وحقوق الإنسان كرامة: هذا هو جزء من كشف حساب العام المنصرم، فهل كانت تلك الحرب التى دخلتها المنطقة مضطرة.. هل كانت فى صالح القضية الفلسطينية أم أنها كانت وبالاً عليها؟
لكن المشكلة الأخطر من كل هذا هى افتقاد القضية الفلسطينية لقيادات حقيقية هدفها الأساسى هو فلسطين وليس أية مصالح أخرى، وهو ما يقتضى رحيل قادة حماس ومنظمة التحرير وحركة فتح وكل القوى القديمة التى نضب معينها وأعطت وأخذت كل ما تستطيع، رحيلها عن المشهد السياسى القائم، وعلى الرغم من صعوبة تحقيق هذا المطلب لكنه أصبح ضرورة ملحة حتى تعيش القضية وربما نصل إلى حل أو حتى نحلم أن يصل إليه جيل آخر.