أين يذهب رجال المرور؟!

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

إذا كان الطريق الدائرى وما يحويه من جميع أشكال الهزل المرورى والخيال غير العلمى لتحكم العشوائية والعنجهية والوحشية فى طرقنا سبة فى جبيننا، فإن السبة لها أسباب وتؤججها عوامل وتدعمها عناصر وتخفف من وطأتها وتداويها علاجات سبقنا إليها الجانب الأكبر من دول الكوكب نفسه الذى نعيش عليه، بل إننا فى الماضى سبقنا أنفسنا ثم انتكسنا وبعدها تدهورنا، ومن ثم بتنا «رقم واحد» فى فوضى الشوارع. طرف النقيض الآخر من فوضى شوارعنا هو القوانين المجمّدة والمحنطة والمزينة بها الجدران على سبيل التجميل والتحسين، لا أكثر ولا أقل. وأقل ما يمكن عمله لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من السيرك المرورى الذى نعيشه، والذى يضغط على أعصابنا ويفقع مراراتنا ويظهر أسوأ ما فينا، ناهيك عن القتلى الذين يقعون بسبب سطوة قانون الغاب وغياب قانون البشر، هو أن نعرف أين يذهب رجال المرور؟! فرجال المرور مكان عمل أغلبهم هو الشوارع والميادين، واختفاء هذه الغالبية فى أغلب الأيام، أو وجود أعداد قليلة منهم ليس طبيعياً. قد يكون طبيعياً فى دول تعدت مرحلة العصا والجزرة، حيث يقف قائد السيارة باحمرار الإشارة حتى لو كان وحده فى الشارع، أو فى ظل غياب كامل لضباط المرور، أو حيث يعرف المواطن أن قانون المرور وُضِع ويطبق لأمانه وأمان أسرته وليس للتعدى على حريته الشخصية أو للنيل من كرامته أو رجولته. فى بلادنا يختلف الوضع، حيث «عسكرى المرور» ضرورة للوقوف فى الإشارة الحمراء، أو عدم تعدى الخطوط البيضاء، أو عدم فرض قانون «فساكونيا»، حيث القوى يخبط الضعيف، والميكروباص يُرهب الملاكى، والتوك توك يفزع كليهما، والكارو فوق الجميع. فى بلادنا ينقلب الوضع، حيث «عسكرى المرور» الطيب يسمح للسيارة بأن تلف عكس الاتجاه «بسرعة قبل الضابط ما يشوفك»، أو يراعى الضابط قائد السيارة الشاب الروش الذى أوقفه ليكتشف أنه يسير دون رخصة قيادة، فيصرفه، مناشداً إياه أن يضعها فى محفظته المرة المقبلة، أو ضابط المرور نفسه الذى يتميز بسيارة ذات زجاج أسود ولوحة أرقام منزوعة أو مموهة وتقف فى الممنوع، بينما يؤدى عمله. أسكن فى شارع متفرع من شارع الثورة فى مصر الجديدة. وفى هذا الشارع الضيق الهادئ سابقاً، المشتعل حالياً، كثرت المطاعم والمقاهى والشركات والبنوك، التى أدت إلى انتعاش مهنة السايس الذى قرر أن تكون أولوية الشارع وسكانه ورواده هى «تستيف» السيارات، حتى إن كان ذلك يعنى حجب رؤية الداخل إلى الشارع تماماً واضطرار الخارج منه إلى التفوه بالشهادة، تحسّباً للظهور المفاجئ لسيارة مسرعة أو الهروب المباغت لميكروباص مارق. وإذا أضفنا إلى ذلك قرار موظفى الشركات الصغيرة المتناثرة أن يتم وقف السيارات فى الصف الثانى، مما يجعل الشارع اتجاهاً واحداً، لكن «رايح جاى»، وما يعنيه ذلك من معارك ضارية. المثير فى هذا المشهد اليومى -والمتكرر فى الغالبية المطلقة من شوارع المدن الكبرى- هو أنه فى المناسبات التى يوجد فيها ضباط المرور فى شارع الثورة الرئيسى على مرمى حجر، فإن ما يحدث فى شارعنا من هرج ومرج لا يسترعى انتباههم من قريب أو بعيد. نحترم ونبجل حرية التعبير وحرية المعتقد وحرية السفر وحرية التظاهر، لكن حرية المرور لا تعنى إلا فوضى عارمة وعشوائية مزرية، لا سيما حين يكون رب البيت بالدف ضارباً، فيكون شيمة أهل البيت ضرب عرض الحائط بقانون المرور وقواعده. وبالطبع فإن مناشدة المواطنين إيقاظ ضمائرهم المرورية لا تؤدى إلا إلى مزيد من الفوضى. فهل من محيص؟! وبمعنى آخر: أين يذهب رجال المرور؟!