قصة نصر أكتوبر العظيم كما رواها أحد من شاركوا فيها
يوسف القعيدهذا كتاب أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب، التى يرأس مجلس إدارتها الدكتور أحمد بهى الدين، الذى يُقيم فى هذه الأيام معرضاً للكتاب احتفالاً بنصر أكتوبر فى دمنهور. ورغم أننى من البحيرة وعِشتُ فى دمنهور فلم يذكر لى حرفاً عن هذه الفكرة العظيمة التى سبق أن فعلها فى سنوات سابقة وشاركتُ فيها.
وقبل سفره إلى دمنهور أهدانى الدكتور أحمد بهى الدين رواية تسجيلية عن حرب أكتوبر عنوانها: قصة معركة، وكاتبها هو صلاح أحمد عبدالحليم. تتصدرها عبارة لمُعلِّمنا وأستاذنا المرحوم أحمد بهاء الدين تقول:
- تتعلم الشعوب من هزائمها أكثر مما تتعلم من انتصاراتها.
ونص الرواية يجمع بين الجانب التسجيلى والتجربة الإنسانية. ويكتُب المؤلف قبل الدخول لعالم روايته أن حياة البُسطاء مرهونة دائماً بالصبر. أما الإخلاص والبقاء على العهد فهو الشرف.
والمؤلف لم يتعامل مع ما كتبه باعتباره خلقاً أدبياً فقط. ولكنه مزج بين التجربة الإنسانية والكتابة الروائية. والبطل يُفكِّرُ بُرهة ثم يقول لزميله: حياة أمثالنا البُسطاء مرهونة دائماً بالصبر. ثم يقول بصوتٍ ثقيل:
- غداً فى مثل هذا الوقت أكون فى قلب الجبهة فى سيناء الطاهرة.
وبلا إرادة يسيل دمع من يسمعه، ويرجوه:
- أرجوك دعنا معاً الآن، واترك الغد لوقته.
ثم يوشك أن يبكى من إيقاع اللحظة الإنسانية النادرة. يقول المقاتل لأحلام:
- كنتُ أشعر أنكِ تودعينى لتتركينى فى الحياة وحيداً أكثر مما أنا وحيد.
ترد عليه:
- أتركك؟ أيترُك أحد عمره؟ لا وألف لا. صدقنى إن الأمر لا يعدو قوله مجرد توتر بسيط بسبب الإنذارات التى وُجِّهت لمصر. والحشد فى سيناء لتحييد اليهود. تخفى وجهها بين راحتيها فيطمئنها.
قالت له بصوتها المختنق متسائلة:
- لماذا الحرب؟ لماذا الجراح والآلام والفراق؟
ويصف حال جيش مصر العظيم فى المعركة أن أمريكا كانت تعانى من تورطها فى حروبها. ويؤرقها وجود الجيش المصرى فى الخليج قُرب منابع البترول فى الشرق الأوسط. وكذا رغبتها فى حماية حلفائها الاستراتيجيين. وقد أسست عروشهم المزعزعة أمام حركة المد الثورى بقيادة عبدالناصر الذى شبه جونسون بأنه يختال فى المنطقة كالديك الرومى. وأوعز لكلاب الصيد -اليهود- أن عليهم اصطياده.
بيد أن ملك الأردن الفطن أحس بالفخ. فأرسل إلى رئيس أركان القوات العربية عبدالمنعم رياض وسلمه رسالة سرية يُحذِّر فيها الرئيس عبدالناصر من خطورة الموقف. وهكذا وجدت مصر نفسها مندفعة إلى حرب. والمدهش أنه كان لدى زعمائها ثقة كبيرة بالنصر.
اندفع الحشد العسكرى من أقاليم مصر إلى صحراء سيناء ليتفرق فيها. على الطرف الآخر نصب العدو الإسرائيلى بمساعدة أمريكا والغرب والعُملاء فخه.
وفى البداية حققت ما توهمت أنه نصر، ولكنها لم تكن تعرف أن المقاتل المصرى لا يُمكن أن يُهزم أبداً. لأن أبسط معايير الضمير العسكرى يتمثل فى الدراسة والإعداد الجيد لكيفية تحقيق النصر. مع الحفاظ على أرواح الجنود بقدر المستطاع.
أيضاً مراعاة التقدير النسبى للخسائر. فلا تتجاوز الحدود المسموح بها إلا فى ظروف خارجة عن الإرادة، أو تحقيق هدف استراتيجى. تنبنى عليه مصادر الأمة بدقة، لأن المُغامرة غير مطلوبة. فالمغامرة تمس كرامة الأمة.
والإحساس بالنصر تعدى سيناء إلى العُمق المصرى الاستراتيجى. فقد انطلقت زغرودة خجولة مستحية فى بيت أم أحمد، أطلقتها أحلام مُبتهجة على خُطبة هدى على ابن خالتها فى جو عائلى، على أن يتم الزفاف بعد أسبوعين.
أيقظت صيحات الجُند ضوء الفجر الجديد من سُباته، كما أيقظت الصيحات الكائنات لتُطل برأسها. تُشاهد الأبطال وهم يؤدون تدريباتهم الملحمية بقوة وإصرار ونضال. فقد أرادت مصر فاستجاب القدر. أخلص شعبها فاشتد عزم زعيمها الذى عمل بصمت على إرساء صرح دبلوماسى مُتزن. صرح أعاد مصر إلى أحضان أمتها، وأعاد العالم إليها مؤيداً لعدالة قضيتها.
حتى كانت الساعة الثانية وخمس دقائق يوم السادس من أكتوبر 1973 أكبر مفاجأة للعدو الذى سخَّر جميع الأجهزة الاستخباراتية، بما فيها تكنولوجيا الفضاء الأمريكية لصالحه. إن انتصار المصريين مفاجأة أربكت العدو، وأذهلت العالم كله. مفاجأة أشعرت كل قوى الشعب بالسعادة أمام عبقرية العقل المصرى التى ظهرت واضحة فى كل العمليات العسكرية.