فلتسقط «جروبات الماميز».. وتحيا حرية الأمهات! (4)

إنجى الطوخى

إنجى الطوخى

كاتب صحفي

«الكتابة انفتاح جرح ما».. كلمات فرانس كافكا كاتب تشيكى يصف فعل الكتابة، ورغم أن تلك الكلمات قالها «كافكا» فى القرن الـ19 إلا أنها تبدو صالحة لزماننا الحالى، وعلى الأدق قادرة على وصف ردود فعل الأمهات على سلسلة مقالات «فلتسقط جروبات الماميز وتحيا حرية الأمهات» التى بدأناها فى شهر مايو الماضى فى جريدة الوطن، فيبدو أن تلك المقالات فتحت الجرح بعمق، فوصلت عشرات الرسائل عبر البريد الإلكترونى، بل والسوشيال ميديا، تحكى فيها أمهات عما تعرضن له فى جروبات الماميز من مواقف ضاغطة ومؤلمة أحياناً، وفى المقابل كان هناك الانتقادات والهجوم من بعض الأمهات اللاتى يسألن ببساطة: «من أنت لتكتبى عن جروبات الماميز؟».. بل كان هناك هذا السؤال: «بأى حق تكتبون عن جروبات الماميز؟!.. ليس لكم الحق فى ذلك».

ترتسم الابتسامة على وجهى وأنا أحاول الإجابة عن سؤال: «بأى حق تكتبون عن جروبات الماميز؟»، فهو حق لكل مواطن بقوة القانون والدستور الذى يكفل حرية الرأى والتعبير، وهو حق الصحافة التى كان دوماً هدفها ودورها الأكبر تناول القضايا المهمة المؤثرة فى بنية المجتمع بالفحص والتمحيص وتعرية الحقائق واحدة تلو الأخرى، فترسم مواطن القوة والضعف، وتلون التحديات والمخاوف، فنواجه أنفسنا بالأخطاء التى نرتكبها، ونبحث عن الحلول المتاحة، ونقدم التحية للتجارب الناجحة، وهو كذلك حق لكل أم لديها أطفال هم جزء من المجتمع الدراسى الواسع فى مصر، وأنا واحدة من هؤلاء الأمهات.

ومثل بحر مالح ونهر عذب، انقسمت الرسائل التى وصلت إلى نصفين، النصف الأول رسائل لأمهات كثيرات يُبدين إعجابهن ودعمهن لتلك المقالات ويروين حكاياتهن مع «جروبات الماميز» وحاجاتهن إلى حلول حقيقية ناجعة لمقاومة الخوف والقلق والضغوط التى تثيرها تلك «الجروبات» فى نفوسهن ورغبتهن فى التعبير عن أنفسهن بحرية، وأن وضع الأمهات داخل تلك «الجروبات» ليس بالبساطة التى تصورها المسلسلات والأفلام بشىء من الكوميديا والفكاهة، ومن أصعب تلك الرسائل حكاية أم ذكرت أنها عانت من الإجهاض بسبب كم الضغوط التى تعرضت لها من «جروبات الماميز» داخل مدرسة أبنائها لدرجة جعلتها تقرر ترك المدرسة نهائياً ونقل أبنائها إلى مدرسة أخرى حفاظاً على سلامها النفسى.

أما النصف الآخر فتمثَّل فى هجوم قاتل وانتقادات ترفض كتابة أى شىء عن جروبات الماميز من الأساس، وتعتبرها خطاً أحمر وتمثالاً مقدساً يجب الانحناء أمامه إجلالاً واحتراماً وعدم كشف أى أخطاء له أو سلبيات فيه، مع أن الرغبة الحقيقية من الكتابة هى تحقيق التغيير والإصلاح الذى قد يعود على المجتمع بالنفع، وظهرت الكوميديا السوداء فى بعض الرسائل واصفة المقالات بأنها «خطة ممنهجة لتدمير أمهات وجروبات الماميز»، وهو أمر يثير الكثير من علامات الاستفهام والدهشة فى آن واحد.

وأهم علامات الاستفهام تلك على الإطلاق: ما هى الفائدة الحقيقية من تدمير «جروبات الماميز»؟ وما هى تلك الخطة الممنهجة التى يمكن أن يتبعها أى شخص لتدمير آلاف الجروبات على مستوى مصر كلها؟ وما هى الأدوات والوسائل التى أمتلكها أنا وغيرى لتدمير تلك الجروبات؟ ولماذا الحق فى الكتابة عن جروبات الماميز مرفوض؟ أو إبراز مثالبها إن وجدت؟ هل الأمهات مقدسات لا يخطئن؟ ومن أطلق صفة القداسة عليهن؟ ثم أليس الأنبياء والرسل فقط هم من لا يخطئون بحسب الأديان السماوية؟

ولا يتوقف تدفق الأسئلة، بل تنهمر مثل السيل العظيم: أليست الكتابة عن قضية ما أو مشكلة ما والإشارة إلى أن بها بعض الخلل الذى يستحق علاج أمر يستفيد منه المجتمع لاحقاً شيئاً مهماً؟، أليست الكتابة عن أهمية تخلص جروبات الماميز من أمور مثل «الشللية»، «التسلط وفرض الآراء»، «البعد عن التباهى والتنافس» «الضغط النفسى على الأمهات» «تثبيط الهمم»، كما ذكرنا فى المقالات، أمراً مهماً وتأثيره إيجابى على المجتمع الدراسى، بل والمجتمع ككل؟ أوليست الكتابة عن تأثير «جروبات الماميز» على نفسية الطلبة فى المدارس وأهمية أن يصبح دورها داعماً نفسياً فيصنع إنساناً وطالباً يخرج إلى المجتمع الخارجى واعياً بحقوقه وواجباته وليس هشاً نفسياً أمراً يستحق الكتابة عنه والإشارة إلى أهميته؟

أوليست الكتابة عن ماهية دور «جروبات الماميز» وتأثيره عبر المجتمع الدراسى وأهمية الوعى بهذا الدور أمراً لا غنى عنه لأى مجتمع؟ والكتابة عن «جروبات الماميز» فى المقالات السابقة لم تكن محض هوى، بل كانت تستند على وقائع حقيقية حدثت حكاها أبطالها، إلى جانب آراء مدرسين وموجهين منغمسين بكل قوة فى العملية التعليمية، ولم تكن نتاج بحث وتقصى مدرسة واحدة تنتمى إلى فئة اجتماعية واحدة فقط، بل كانت هناك مدارس مختلفة تنتمى إلى طبقات تعليمية واجتماعية متنوعة فى أكثر من محافظة من الأقاليم وليس القاهرة فقط، كما أننى لم أخُض الكتابة فى هذا المجال إلا بعد حصولى على دورات دراسية تربوية بشهادات موثقة فى أسس التربية والصحة النفسية للطفل، بل وصعوبات التعلم فأمتلك أدوات تمكننى من فهم طبيعة الأطفال والمجتمع الدراسى الكبير ونفسيته.

بعد كل ما سبق، ما الذى جعل الكتابة عن «جروبات الماميز» أمراً مرفوضاً ويجب أن نحصل على إذن به؟! الحقيقة أنه من حقنا جميعاً مناقشة ما يحدث فى «جروبات الماميز»، كل شخص سواء كان طالباً أو أماً أو أباً أو مدرساً أو مدير مدرسة، بل هو واجب، لأن تلك الجروبات تأثيرها واضح علينا، ليس فقط فى الناحية التعليمية الدراسية، بل فى كل جوانب الحياة العادية، وهذه المناقشة واجبة لأنها تفتح الباب مستقبلاً لإيجاد حلول مناسبة، وهو ما سنناقشه فى مقال آخر بإذن الله.