ليلة الزجاج المكسور

راجى عامر

راجى عامر

كاتب صحفي

كنت في طريقي من القاهرة للإسكندرية حينما قررت الاستعانة بقطار "التالجو" عوضًا عن قيادة السيارة، لن أحدثك كثيرًا عن مستوى النظافة المرتفع أو دقة مواعيد القطار -والتي أتمنى استدامتها- فهي حق للراكب وواجب على المسؤول. إنما ما يستحق الوقوف عنده هي محاولات البعض لتخريب القطار عوضًا عن المطالبة بتعميم التجربة الناجحة على بقية القطارات التي تعاني إما من سوء الخدمة أو عدم احترام المواعيد.

كان القطار يسير إلى وجهته حينما قرر أحدهم أن يثبت أن قدراته لا تقل عن أبطال العالم في "رمي الجلة" حيث قام بإلقاء الأحجار مستهدفًا زجاج القطار!

والأحجار أنواع فقد تكون وسيلة للمقاومة مثلما رأينا أطفال فلسطين الشجعان ينتفضون ضد الاحتلال في وقائع عديدة باستخدامها، كما أن الأحجار قد تكون مصدرًا للثراء إذا كانت من الأحجار الكريمة مثلما قد تكون مصدرًا للطاقة إذا كانت "أحجار بطارية" أو حتى مصدرًا للخطر إذا كانت أحجار تم إطلاقها بغرض تحطيم نوافذ القطارات!

تنفست الصعداء بعدما تأكدت أن "الحجارة" لم تخترق الزجاج لتصل إلى رأسي الذي ظل سليمًا ليفكر في الأسباب الداعية لمحاولة أحدهم تحطيم القطار، هل هو عدم تفهم فكرة الملكية العامة أم سعي البعض للانتقام من المجتمع أم هو الشعور بغياب القدرة على المحاسبة ؟

في تفسيرهم لنظرية "الزجاج المكسور" يشير بعض الباحثين إلى أن ترك الزجاج أو النافذة مكسورة في أي مبنى دونما إصلاح يؤدي حتمًا إلى تحطيم بقية النوافذ في إشارة إلى أن تجاهل الأخطاء البسيطة يؤدي إلى "خراب شامل" نتيجة ارتكاب جرائم كبيرة.. شخصيًا اختبرت هذه النظرية بصورة عملية حينما تركت سيارة قديمة مركونة في الشارع لفترة دونما استخدام أو رعاية ليبدأ أطفال الحي في الجلوس فوقها ثم حفر أسمائهم عليها لينتهي الأمر بتدمير إطاراتها وتحطيم السيارة تمامًا.. وإذا انتظرت أسابيع قليلة إضافية لكانت سُرقت في نهاية الأمر لأن غياب المحاسبة على الأخطاء الصغيرة يشجع آخرين على ارتكاب أخطاء أكبر.

وإذا كان شباب هتلر قد قاموا في ثلاثينيات القرن الماضي بأحداث عنف تجاه اليهود اشتهرت بإسم "ليلة الزجاج المكسور" فإن بعض الشباب المصري قد اخترعوا "لعبة الزجاج المكسور" وهي مسابقة لمن يتمكن من استهداف القطار خلال عبوره من منطقتهم !

وسجل ضحايا إلقاء الحجارة على القطارات يتراوح بين الإصابات البسيطة والجروح القطعية ليصل إلى العاهات المستديمة وفقدان البصر  بل الوفاة في بعض الحالات.

هذه الظاهرة في حاجة إلى حملات للتوعية تطلقها وزارة النقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها المواقع الأكثر انتشارًا بين الشباب وصغار السن -الذين يرجح إنها الفئة العمرية لمن يقومون بهذه الأفعال- لتوضيح أضرارها والتأكيد على العقوبات القانونية الرادعة التي تواجه مرتكبيها.

لا تتركوا هذه الظاهرة تتفاقم، ولا تتجاهلوا "الزجاج المكسور" فهذا سيشجع الآخرين على تحطيم بقية النوافذ واستباحة كل مشروع دونما فهم لكونه ملكية للشعب بأكمله.. واجهوا هذه الظاهرة بحملات التوعية التي تؤكد أهمية الحفاظ على الملكية العامة سواء كانت قطارات أو مشروعات قومية مختلفة، فهي ملك للشعب واجب الحفاظ عليها وضمان استدامتها.