الرئيس السيسي يُعيد بناء القرية المصرية

يوسف القعيد

يوسف القعيد

كاتب صحفي

وُلِدتُ فى قرية الضهرية مركز إيتاى البارود محافظة البحيرة. وعشت فيها سنوات عُمرى الأولى، لذلك فإن مشاعرى تجاه القرية أقرب إلى الحُب بلا حدود. بل إننى فى بعض الأحيان يُخيَّل إلىَّ أن إقامتى القاهرية ليست دائمة، وأنها عابرة، وأننى ذات يوم سأعودُ للقرية لأُكمل حياتى فيها.

هذا على الرغم مما أسمعه وأتابعه من أن حياة القُرى تحتاج إلى مزيد من العمل والجهد فى كل لحظة تمر. فالقرية أساس الحياة. ومنها خرج الذين بنوا مصر الحديثة. والأمثلة على ذلك كثيرة. ولو تفرغت لها لانتهت مساحة هذا المقال دون أن أنتهى من عُظماء مصر الذين ولدوا فى القرى.

لدرجة أننى كنتُ أقول دائماً وأبداً وما زلت أردد حتى الآن ومستقبلاً:

- القُرى خلقها الله، ولكن المدن بناها البشر.

أقول هذا الكلام للتعبير عن مدى إيمانى بأن القرية أساس الحياة فى بر مصر الآن. ولذلك سعدت جداً جداً وبلا حدود بالمبادرة التى أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤسس مصر الحديثة: يداً بيد. واعتبرتها بداية جديدة لبناء الإنسان المصرى فى أبعد شبر من بر مصر.

صحيح أن المدن قد تحتاج لرعاية وعناية، وأن سُكَّان المُدن أعدادهم أكبر من سُكان القُرى. لكن تبقى القرية هى الأساس بالنسبة لكل من يعيشون فى بر مصر. بل إن المصريين الذين ولدوا فى المُدن وعاشوا بين جنباتها كانوا يحنّون لحُلم لو أنهم وُلِدوا فى قُرى، لأن القرية كيان يختلف عن المدينة.

عشتُ فى مدينة دمنهور، ثم عشتُ فى أكثر من حى من أحياء القاهرة. واكتشفتُ أن سُكان البيت الواحد قد لا يعرفون جيرانهم. ولا تربطهم علاقات المودة والمحبة التى نجدها فى القرية المصرية بالذات. وأنا أكتُب عن القرية المصرية لأنى لم يسبق لى ولا أريد أن يلحق بى أن أعيش فى قرية لا تكون مصرية.

فمصر هى أصل الكون، والقرية المصرية أول مكان بناه المصريون. ولهذا فإن اهتمامى بمشروع بداية، المبادرة التى أطلقها الرئيس السيسى للتنمية البشرية، واعتبرتها تؤسس لجمهورية جديدة.

لا يتصور أحد أن المشروع الجديد سيبنى قُرى مثل التى كانت. لكنها قُرى جديدة تتوفر فيها كل سُبل الحياة، وتدفع الإنسان إلى أن يحيا بها كل سنوات عُمره. وعندما أقول إن تنمية القرية المصرية وإعادة بنائها من أول وجديد ووجود مجتمع متقدم فيها يوشك أن يكون حُلم كل من يحيا فى الريف المصرى.

وللأسف الشديد ليست لدىّ أرقام بمن يعيشون فى المُدن، ومن يحيون فى القُرى. ولكنى متأكد أن الأغلبية المُطلقة تعيش فى القُرى والعزب والكفور والنجوع، وإذا استثنينا القاهرة والإسكندرية سنكتشف أن الأغلبية تحيا فى القُرى. وأن رموز مصر جميعاً وبلا استثناء خرجوا من القرية.

فعبدالرحمن الشرقاوى خرج من قرية، وكتب أفضل أدب عبَّر عن الفلاحين المصريين وحياتهم فى القُرى، ويوسف إدريس خرج من قرية، ومحمد عبدالحليم عبدالله ولد وتربى ونشأ فى قرية، هى قرية كفر بولين مركز كوم حمادة محافظة البحيرة. وقد زرته فيها أكثر من مرة، وأدركت مدى ارتباطه بحياة القرية.

لا أُحب أن يفهم من يقرأ هذا الكلام أننى أحلُم وأتمنى بأن تُصبح القرى مُدناً، وأن نصل إلى يوم لا أُحبُ أن أكون موجوداً عندما يأتى، فلا نجد فى مصر سوى المُدن، لأن القرية تُقدِّم لنا ما لا يُمكن تقديمه إلا فيها. ففى القرية تتم تنمية الإنسان وبناء مجتمع متقدم، والخدمات الليلية فيها متوفرة، ويُضافُ إليها إحساس المصرى فى الريف بالأمن والأمان.

ألم يُغن مطربو الأزمنة القديمة:

- محلاها عيشة الفلاح متهنى قلبه ومرتاح؟

ولكنى أضيف للأغنية القديمة أنه يتمتع بكل مُنجزات الحضارة الحديثة. فهذا حقه علينا، وأتمنى أن يرتبط مشروع بداية بأن يكون هناك مع تطوير القُرى الجديدة عملية محو أُميَّة لكل من يسكنون فى الريف المصرى.

والريف نبع الأغانى الشعبية، وكل ما نراه على الطبيعة من إنتاج الأرض. لدرجة أننى أتصور أن هناك فارقاً بين الأرض التى يغطيها الأسفلت بالمدن، والأرض التى تغطيها الزراعات فى القُرى.

إن مشروع بداية هدية تُضاف لهدايا الرئيس السيسى التى قدمها لمصر وللمصريين.