إخوان الأردن والفوز غير المقلق

ماهر فرغلى

ماهر فرغلى

كاتب صحفي

فازت «الإخوان» فى الأردن بـ31 مقعداً فى الانتخابات البرلمانية التى جرت خلال الأسبوع الماضى، وهذه أكبر نسبة حصلت عليها الجماعة فى أى انتخابات خاضتها من قبل فى الدولة الأردنية، بالقياس إلى نسبة المشاركة الجماهيرية وإلى القوى السياسية المشاركة التى حصلت على نسبة أقل منها.

نلفت الانتباه إلى أن الجماعة المشاركة فى الانتخابات هى جماعة الإخوان التى يترأسها مراد العضايلة، والتى يمثلها سياسياً حزب جبهة العمل الإسلامى، فالإخوان فى الأردن منقسمون إلى الجماعة التى شاركت، وجمعية جماعة الإخوان.

والأخيرة تحوز على شرعية قانونية، بعد أن قرر مجموعة من قيادات الإخوان، على خلفية الربيع العربى والقطيعة التى جرت مع القصر الملكى، التقدم بطلب إلى رئاسة الوزراء لتصويب أوضاع الجماعة وتكييفها وفق القانون المنظم لعمل الهيئات والجمعيات التطوعى، برئاسة عبدالمجيد الذنيبات، الرئيس الأسبق للجماعة، فى الأثناء التى جرت فيها العديد من المشاورات حول مبادرة إخوانية من أجل جمع الصفوف تنص على تشكيل مكتب تنفيذى توافقى للجماعة، ولكن ذلك فشل، وأدى إلى انقسام التنظيم كاملاً.

ويسيطر على جماعة الإخوان التيار الحمساوى، فنحن نعلم أن هناك أغلبية فلسطينية تعيش بالأردن، ولا توجد خطوط فاصلة تنظيمية بين حركة حماس والإخوان، وهو السبب الذى أدى إلى الانقسامات التى جرت فى الجماعة، وبسبب هذه الخلفية أصبح داخل الجماعة ما يسمى بالصقور المقربين من حركة حماس، والآخرون المعتدلون، وبناء على ما سبق فإن الجماعة التى خاضت الانتخابات، هى المقربة من حماس، وهى الأكثر وجوداً، التى تمتلك قاعدة عريضة من الأعضاء، أى أنها تمثل الجسد العريض من المنتمين للتنظيم.

نشير أيضاً إلى أن الإخوان وحزبها «جبهة العمل الإسلامى»، استبقوا الانتخابات البرلمانية بأخرى داخلية أفرزت قيادة جديدة على رأسها مراد العضايلة، ومن المعروف أن الجماعة يتصارع على قيادتها ما يسمى تيار الصقور الحمساوى، وتيار الوسط، إلا أن أحداث قطاع غزة دفعت بتيار الشباب إلى محاولة السيطرة، وهو ما ظهر فى الفعاليات التى قاموا بها، وتظاهراتهم العارمة أمام السفارة الأمريكية والإسرائيلية بعمان.

ونعتقد أن الخلافات بين الإخوان ليست عقائدية وفكرية بقدر ما هى عملية وإجرائية فى كيفية التعاطى مع القصر الملكى ومع الأحداث التى أعقبت «طوفان الأقصى»، والتى كان من نتيجتها فوز تيار الصقور، لأنهم الأقدر على احتواء الشباب.إن جماعة الإخوان فى الأردن لها طبيعة خاصة، ويتعامل معها النظام الملكى باستراتيجية قديمة منذ عهد الملك عبدالله الأول، وإلى حد الآن نجحت هذه الاستراتيجية فى احتواء الجماعة، والتى استفادت فى المقابل بالحفاظ على وجودها فى الشارع لحد الآن.

لذا فإننى أرى أن فوز الجماعة بهذا العدد الكبير من المقاعد البرلمانية ناتج أولاً عن الاستراتيجية السابقة للنظام السياسى الأردنى، وهو فوز ليس بمخيف نظراً لقياس نسبة المشاركة، وفى ذات الوقت لا يجوز القياس عليه فى بلدان أخرى، لأن الإخوان لهم خاصية سياسية فى الأردن من الصعب تعميمها.

ويمكننا إجمال الأسباب التى أدت إلى هذه النتيجة التى حصل عليها إخوان الأردن فى القاعدة الشعبية الواسعة للحزب المرتبط بجماعة الإخوان، لأن الدولة الأردنية تتعامل معه باستراتيجية تسمح له بأن يكون لديه قاعدة جماهيرية كبيرة ومستقرة نسبياً، وهى من ساندته وساعدته على تحقيق هذه النتائج الجيدة فى الانتخابات.

ووفق ما ذكره الدكتور عماد أبوالرب، وهو أردنى، رئيس المركز الأوكرانى للحوار، بأن العاطفة الدينية من الدوافع التى لعبت دوراً مهماً فى تشكيل الموقف السياسى واتخاذ القرارات الانتخابية، حيث نجح حزب العمل السياسى، كعادة الإخوان، فى استخدام الشعارات الدينية، وكان ذلك محركاً قوياً فى تحديد الانتماءات والتوجهات السياسية.

والإخوان من أكثر من يستغل هذه العاطفة الدينية، مما أوجد لهم دعماً قوياً من الناخبين الذين شعروا بأن قضاياهم الدينية والأخلاقية مدعومة بشكل مباشر من قبَل الحزب الإخوانى.

قدم حزب جبهة العمل الإسلامى برامج وخطابات سياسية، استبق بها العملية الانتخابية، فى ظل ظروف اقتصادية صعبة تمر بها الدولة الأردنية وعموم المنطقة بسبب ما يجرى فى غزة، والحرب الروسية الأوكرانية، وغيرها من الأسباب، وعكس الحزب تطلعات الجمهور، فى غياب برامج واضحة للأحزاب الأخرى، مما ساعده على كسب المزيد من الأصوات.

استغل الإخوان الأزمة الإنسانية فى غزة، والوضع كله برمته، ورفعوا شعارات الطوفان، وحاولوا تثوير الجماهير، التى تلعب بعواطفها دائماً القضية الفلسطينية، خاصة مع المذابح البشعة التى يقوم بها الصهاينة، واستفادت الجماعة من هذه الورقة وهى التضامن مع الشعب الفلسطينى، وهذا عزز مكانتها الشعبية وأكسبها العديد من الأصوات.

وكعادة الجماعة فهى ناجحة وأكثر تنظيماً وأكثر حرفية فى استخدام الاستراتيجيات الانتخابية، بما فى ذلك الحملات الانتخابية المنظمة والجهود الميدانية القوية، وساعدهم على ذلك ضعف برامج وتأثير بقية الأفراد والأحزاب، بما فى ذلك قلة تنظيمهم وكوادرهم وعدم شمولية قدراتهم، فالإخوان كما نعرف يُقحمون أنفسهم فى كل المجالات (اتحادات طلبة- نقابات- انتخابات بلدية- انتخابات برلمانية- العمل الاجتماعى والخيرى- التواصل مع الجيران والأقارب والزملاء فى الدراسة أو العمل)، فى الوقت الذى لا نرى فيه برامج مثيلة لكثير من الأحزاب المنافسة، وهى الثغرة الموجودة التى ينفذ منها أعضاء الجماعة إلى الشعوب، والتى أدت إلى فوزهم بهذه النسبة من المقاعد.