الرئيس في تركيا.. زيارة استثنائية في توقيت دقيق

لينا مظلوم

لينا مظلوم

كاتب صحفي

منذ عام 2014، انتهج الرئيس عبدالفتاح السيسى تبنى الموضوعية والمنطق فى تحديد مسافات مصر مع جميع دول العالم -تحديداً الدول الإقليمية- تلك التى تمتد جذور علاقاتها مع مصر إلى تاريخ طويل وحافل. كل المؤشرات كانت تستشرف أن طبيعة أى توتر مؤقت لن تصمد طويلاً، خصوصاً فى ظل مستجدات سياسية واقتصادية تتسارع تطوراتها بما يفرض عدة مراجعات لدعم أواصر العلاقات بين المنطقة العربية ودول الإقليم، بالإضافة إلى المفهوم الحاكم لإدارة السياسة الخارجية المصرية واحتواء الأزمات، بفضل حكمة ورصانة القيادة السياسية، والذى نجح بالتأكيد فى إذابة كل التوترات.

زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، التى سبقتها محادثات دبلوماسية لتقريب وجهات النظر كانت الإشارة الأولى إلى بداية عهد جديد فى العلاقات المصرية - التركية، عناوينه العريضة عن فتح مجالات حيوية فى التعاون، أبرزها الاقتصاد والطاقة والسياحة، لكن بعد عملية طوفان الأقصى «7 أكتوبر» الماضى، وتصاعد وتيرة التداعيات الأمنية، التى أصبحت تلقى بظلال التهديد على المنطقة العربية ودول الإقليم وتضع على رأس الأولويات ملفات التنسيق الأمنى بين مواقف الدولتين، خصوصاً مع التطابق فى الرؤى حول النتائج الكارثية التى قد تثيرها ممارسات وجرائم اليمين الصهيونى المتطرف.

واقتصادياً.. كلا البلدين -كما هو الحال مع أغلب دول العالم- واجه تحديات اقتصادية كبيرة فجرتها أزمات دولية، ما يضفى على هذا الملف ضرورة قصوى، إذ تمتلك تركيا قطاعاً صناعياً كبيراً. على الجانب الآخر، تمتلك مصر ثروة بشرية فى اليد العاملة، مما يشجّع تركيا على إقامة مصانع مختلفة على موانئ المناطق الحرة، بما يحقّق لها هدفى التصدير إلى الخارج، وتسويق منتجاتها داخل مصر، التى تعتبر سوقاً واعدة للاستثمارات الأجنبية، وبالتالى سيُحدث تعزيز التعاون التجارى طفرة اقتصادية تعود على كلا البلدين.

أيضاً زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى تركيا تأتى لتعزيز الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التى تم التوقيع عليها خلال زيارة الرئيس التركى إلى القاهرة. وستتضمن الزيارة أيضاً إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجى رفيع المستوى بين البلدين، الذى سيُمثل نقلة نوعية فى مسار التعاون الثنائى، حيث ستعلن المباحثات عن زيادة حجم التبادل التجارى من 10 مليارات إلى 15 مليار دولار.

من أبرز قواعد السياسة تلك التى تشير إلى أن أفضل الفرص تولد فى أجواء التحديات، إذ تأتى زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى توقيت مثالى، يستدعى التعاون السياسى والأمنى بين قوتين مؤثرتين، مصر وتركيا، فالتنسيق بينهما سيكون له دور فعّال وحيوى فى إنهاء الصراعات المستمرة التى تُهدد الأمن الإقليمى، وتحديداً فى ليبيا وسوريا، وإيقاف نزيف الدماء فى غزة، إذ من شأنه تشكيل جبهة ضغط على إسرائيل، خصوصاً مع تطابق الرؤى حول القضية الفلسطينية، مما قد يسهم فى وضع حد لاتساع مساحة الصراعات.

الأسس التى تقوم عليها الشراكة القوية بين مصر وتركيا تُبنى على قاعدتين تضمنان رسوخ ومتانة العلاقات السياسية بين دولتين. الأولى المصالح والمنافع المشتركة، والثانية تكمن فى التوقيت شديد الحساسية وسط مخاوف التصعيد، نتيجة الاستفزازات الفجّة من الجانب الصهيونى ومحاولة تصدير فشل اليمين المتطرّف تارة إلى جبهة جنوب لبنان، وأخرى إلى إيران، بالإضافة إلى سلسلة الأكاذيب التى اعتاد الإعلام الإسرائيلى على ترويجها عبر مسئولى إسرائيل عن مصر.

التوقيت يشكل عاملاً حاسماً لضرورة إحياء العمل المشترك للحدّ من التوتر الإقليمى، مما يستدعى أهمية التقاء الدورين المصرى والتركى، لما تحظى به الدولتان من تأثير دولى وإقليمى. وبالتالى تأتى قضايا التعاون الدفاعى على رأس جدول الأعمال خلال القمة الثنائية.

حرص مصر على سياسة خارجية تضمن علاقات متوازنة قائمة على مصالح مشتركة مع دول العالم، واحترام سيادة كل دولة، شكل العامل الأساسى وراء نجاحها فى احتواء كل الأزمات العابرة وفتح صفحة جديدة فى العلاقات الإقليمية والدولية، بما منحها الارتقاء إلى مكانة مؤثّرة وفاعلة بين دول العالم.