الإرادة السياسية
«الإرادة السياسية» وحدها هى مفتاح التغيير، وبعض المشكلات فى بلدنا تحتاج بالضرورة إلى تدخل فوقى من رأس السلطة.. «تغيير الخريطة السياسية» وتفعيل حقوق الإنسان على رأس هذه الأولويات، التى قد تبدأ بجلسات حوارية مطولة فى «الحوار الوطنى» لكن المهم ألا يكون الحوار نفسه مكلمة و(طق حنك) وتفريغاً لحلة البخار المضغوطة.. أن يكون اعترافاً من الدولة بالمعارضة على مختلف تياراتها وتوجهاتها.
وأن تكون المعارضة فاعلة وتتحول إلى طرف «فى حكم البلاد» بطرح القضايا المُراد إصلاحها وتغييرها.. وهذا لا يعد تنازلاً من أحد، هذا «حق وواجب» على كل مصرى حتى لو كنت تكرهه أو كانت مواقفه السابقة لا تعجبك أو كان مهاجماً لسياسات الحكومة منتقداً لكل جديد، رافضاً للكثير من الإنجازات التى تحققت على أرض مصر.. إنه الآن يبحث عن «العدالة» عن حقوق أخرى كانت مُستلبة فى عهود سابقة.. حب واكره كما تشاء ولكن ليس من حقك أن تصادر «رأى مواطن مصرى» ولا أن تنفيه من خريطة العمل السياسى!!
حتى لو كان المعارض شخصاً وليس «حزباً»، فليس من المقبول أن نستمع لأحزاب «الموالاة» ونرفض أحزاب «المعارضة».. بعض هذا الكلام السابق تم تطبيقه بقبول السيد الرئيس «عبدالفتاح السيسى» توصيات «الحوار الوطنى» بخصوص الحبس الاحتياطى والعدالة الجنائية.. وفى بيان المتحدث الرسمى لرئاسة الجمهورية وجه الرئيس بإحالة التوصيات للحكومة وسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل التوصيات المتفق عليها.
قال السيد الرئيس: استجابتى لتوصيات الحوار الوطنى نابعة من الرغبة الصادقة فى تنفيذ أحكام الدستور المصرى والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
وكانت مصر قد أطلقت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان يوم السبت 11 سبتمبر 2021.. ووضعت لها إطاراً زمنياً خمس سنوات، وتشمل الاستراتيجية 4 محاور عمل أساسية تتكامل مع بعضها البعض، وهى محور الحقوق المدنية والسياسية - محور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية - محور حقوق المرأة والطفل والأشخاص ذوى القدرات الخاصة والشباب وكبار السن - محور التثقيف وبناء القدرات فى مجال حقوق الإنسان.
وأكد الرئيس وقتها أن الالتزام بصون الحقوق والحريات وتعزيز احترامها يتحقق من خلال التشريعات والسياسات العامة من جانب، ومن خلال ما تقوم به مختلف المؤسسات والآليات الوطنية من إنفاذ لتلك التشريعات والسياسات.
أضاف: على صعيد التشريعات والسياسات العامة تستند جهود الدولة إلى المبادئ والالتزامات الدستورية والقانونية، ولقد حقق الدستور نقلة نوعية كبيرة فى هذا الخصوص، إذ رسخ مبادئ المواطنة والعدالة والمساواة فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز وجعل تكافؤ الفرص أساساً لبناء المجتمع.
أعود إلى كلمة الرئيس بشأن توصيات الحوار الوطنى، فقد أكد سيادته أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطى، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطى كإجراء وقائى تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول إلى عقوبة، مع تفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطى المختلفة، وأهمية التعويض المادى والأدبى و«جبر الضرر» لمن يتعرض لحبس احتياطى خاطئ.
أتوقف قليلاً عند ملاحظة هامة فى هذه المرحلة المفصلية، لقد ظلت مصر محكومة بـ«قانون الطوارئ» ثلاثين عاماً، ثم تكررت الطوارئ فى أماكن جغرافية محددة لأوقات زمنية معينة بعد ثورة 25 يناير 2011.. ثم خلعت مصر ثوب الطوارئ ومزقت قرارات الاعتقال وأغلقت المحاكم الاستثنائية على يد الرئيس «السيسى».. ، (اللهم إلا منح الضبطية القضائية لقلة للسيطرة على الأسواق والاتجار بالعملة فى عز الأزمة الاقتصادية)، وعادت مصر إلى الدستور والقانون المدنى الذى ربما نساه من يضطلع بتطبيقه.
باختصار كان الأسهل فى عهود سابقة معاقبة من يتحدث عن قانون «الحبس الاحتياطى» بقرار اعتقال ليغيب صوته خلف جدران الزنازين.. أما الآن فالكل مدعو لإبداء الرأى فى القوانين بل والممارسات السياسية.
لقد بدأ الرئيس «السيسى» عهده بالتدخّل أكثر من مرة للكشف عن قاتل «شيماء الصباغ»، الذى اتضح فى ما بعد أنه ضابط شرطة ملثم.. وأصر على أن يأخذ عقابه بالقانون، فى إشارة إلى أنه لن يقبل باستغلال السلطة والنفوذ، وأن العدل فوق الجميع، وحقوق الإنسان مصونة.. ثم دارت عجلة الإصلاح السياسى بـ«لجنة العفو الرئاسى» عن المحبوسين بسبب قضايا رأى.. وأصبح من الواضح أننا نحتاج إلى «ثورة تشريعية» لتنقية القوانين السالبة للحريات، التى كان من بينها قانون «الحبس الاحتياطى».
أثبت «الحوار الوطنى» جدارته وقدرته على الخروج باتفاق ولو كان بأغلبية الأصوات فقط.. وأثبت الرئيس للعالم أجمع توافر الإرادة السياسية للتغيير وتحقيق «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان».. ولنا معها عودة أخرى.