قرار الإفراج عن المسنين.. المعنى في الصعيد والدلتا!
يحتاج قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بالإفراج عن باقي مدة العقوبة لعدد 605 نزلاء من المحكوم عليهم من كبار السن ذوي الحالات الصحية التى أكدت التقارير الطبية تراجع صحة أصحابها إلى وقفة.. لا لنقول إنها تطول من انطبقت عليهم شروط العفو الرئاسى من نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل ولا لنقول إنها خطوة استثنائية ذات بُعد إنساني في إطار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
ولا لنقول إن القرار نال إشادات واسعة من أعضاء مجلسى الشيوخ والنواب ورجال الأحزاب ومجمل الفاعلين ومؤسسات المجتمع المدنى رغم صحة كل ذلك.. إنما علينا النظر بعمق للقرار الذى له أبعاد عديدة خاصة بين أبناء الطبقات الشعبية وفى الريف والفلاحين والصعيد والدلتا..
فى هذه الأماكن والمناطق والمحافظات والمدن والقرى والأحياء وهى تضم أغلبية سكان مصر.. يرتبط الناس بعلاقات وأواصر قوية خلاف المدن الكبرى.. ولهذه الأواصر والعلاقات ورغم قوتها لكن تحكمها قيم صارمة شديدة القسوة أحياناً خاصة فيما يخص السمعة والشرف.
ولذلك ورغم أن السجن لمختلف الأسباب مؤلم وقاسٍ ويتحول إلى علامة سوداء فى تاريخ كل عائلة وأسرة لكن كل ذلك يتضاءل عندما يموت السجين داخل السجن!
هنا يبقى العار إلى الأبد.. ويظل الأهالي يشيرون بكل الطرق خصوصاً همساً إلى أهل السجين المتوفى الذى ينسون فى هذه اللحظة أنه دخل السجن للثأر مثلاً وهو أمر لم يزل يشرف أهله وتحديداً فى صعيد مصر والدلتا، لكن يتراجع المشهد ليقف الناس أمام التطور الجديد.. هذه العائلة مات كبيرها فى السجن!
بخلاف ذلك.. فى ما يتصل بالسمعة والشرف وهو المعيار الأول فى هذه الأماكن.. لكن أبعاد أخرى شديدة الأهمية.. منها حجم المعاناة لزيارة سجين يعتقد أهله كل مرة أنها الزيارة الأخيرة.. أنهم لن يروه بعد زيارتهم هذه.. كل اتصال وكل طرقة باب وكل تلغراف يعتقدون أنه يحمل خبر سجينهم.. فضلاً عن الالتزام بكافة الزيارات خشية وقوع قدر الله بين زيارة وأخرى!
ترتيبات عائلية كثيرة سيقوم بها أغلب المفرج عنهم.. صلح عائلى.. تطييب خواطر.. سداد ديون.. توبة وغفران.. استعداد لعمل الخير وزيارة أولياء الله الصالحين وكافة صور الاستغفار.. زيارة أبناء أو أقارب تزوجوا وهم فى السجن.. إلخ.. إلخ.
للقرار أبعاد عديدة.. لا يمكن اختزالها فى مراعاة سن المفرج عنهم رغم أنه صحيح.. لكن أبعاده الأخرى تتصل بأهل المفرج عنهم.. الرابح الأول من هذا القرار، وبالتالى فنحن أمام 605 قبائل وعائلات وأُسر استفادت منه وبشكل مباشر.. لذلك كان طبيعياً أن تحمل الأنباء توافد أهالى المفرج عنهم من كل مكان إلى مراكز الإصلاح والتأهيل بمختلف المحافظات وهذا الاستقبال الذى تم بفرحة كبيرة عقب خروجهم.
كان منطقياً أن يثمنوا غالياً القرار الرئاسى الذى كان بمثابة مفاجأة لهم وجسد استراتيجية الجمهورية الجديدة فى احترامها لكرامة وحق الإنسان.. وكافة الأبعاد الأخرى التى أشرنا إليها!