الأحزاب فى مصر.. "دكاكين" بلا زوار

الأحزاب فى مصر.. "دكاكين" بلا زوار
سيارات تجرى مسرعة، عشرات المارة يسيرون على جانبى الطريق، بائع صحف وكتب يلتف حوله بضعة مواطنين، فريقٌ منهم يكتفى بمطالعة العناوين المجانية، وآخر يسحب نسخاته المفضلة ويواصل طريقه بعد أن يدفع الثمن، محال ومنافذ تجارية تتنافس فى أعمال البيع والشراء وسط عدد لا يحصى من الفاترينات المتجاورة واللافتات التى تتداخل أسماؤها.. حياة لا تهدأ، وحركة لا تتوقف، كُلٌّ فى فَلَكٍ يَسْبَحُون مع الساعات الأولى من صباح يوم، لا يختلف كثيراً عن باقى أيام المصريين، لكن «الوطن» قررت أن تقضيه بطريقة أخرى فى أرض مختلفة، وواقع مغاير، تتوقف فيه الحياة، وتسكن بداخله الحركة، وتمر عقارب ساعته الزمنية بروتين بالغ، وتدق دقاتها بإيقاع ممل ومنفرد وسط سكون تام يسيطر على «دكاكين الأحزاب» الكاسدة بضاعتها، التى لا بيع فيها ولا شراء، المعزولة وراء أسوار شاهقة، وأبواب مغلقة، واجتماعات سريّة لا يعرف المواطن عنها شيئاً، ولا تترك فى حياته أثراً.
داخل أعرق الأحزاب المصرية، كانت الساعة الأولى من عمر «يوم الأحزاب» الذى قضته «الوطن»، بوابة واسعة يعلوها اسم «حزب الوفد» وشعار «الهلال والصليب»، ومن ورائها قصر عريق بدا مع الخطوات الأولى مهجوراً، مكاتب مغلقة، وهدوء لا تعكر صفوه حركة أو صوت، إلا حركة الأقدام وأصواتها، فى الطابق الثانى من القصر المكتظ فقط بتماثيل زعماء «بيت الأمة» الراحلين وصورهم، كان أحد الموظفين يجلس وحيداً فى مكتبه، وبسؤاله عن استخراج عضوية الحزب، رد على السؤال بسؤال مماثل، بعد وهلة قصيرة حاول فيها أن يتغلب على صدمته، حتى قال مندهشاً: «عايز تعمل عضوية فى الحزب؟»، ثم طالب -بعد الإجابة عليه بالإيجاب- بإحضار صورتين شخصيتين، وصورة بطاقة الرقم القومى، وقيمة اشتراك العضوية، مختتماً حديثه بـ«وابقى فوت علينا بكرة، أو الأسبوع الجاى»، العبارة نفسها التى تتردد داخل جميع المصالح الحكومية، لم تكن بمنأى عن الحزب المصرى الوحيد الذى تولى مسئولية تشكيل حكومة لإدارة البلاد عقب فوزه فى انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، إذا غض التاريخ بصره عن الحزبين المنحلين، «الوطنى» ممثلاً لنظام «مبارك»، و«الحرية والعدالة» ممثلاً لتنظيم «الإخوان».[FirstQuote]
مع الخروج من بوابة القصر، التى يواجهها تمثال فؤاد سراج الدين، آخر «باشوات» الوفد وزعمائه التاريخيين، بدأت عجلة الحياة تدور مجدداً تحت أشعة الشمس الساطعة، مع توالى مرور بعض المواطنين من البوابة الرئيسية للحزب، لكنهم واصلوا طريقهم فى اتجاه مبنى الجريدة القائم وراء القصر، ليظل الأخير بلا حياة، الحياة التى عادت تماماً بمجرد عبور حدود أسواره نهائياً، والخروج إلى رحابة الشارع وحركته وضوضائه. على ناصية الحزب كان «عم على»، بائع بسيط، يرتدى جلباباً داكن اللون، ويسحب بجواره دراجة يحمل عليها حمولة كبيرة من «فوانيس رمضان» متنوعة الأشكال والأحجام والألوان، «عاش الوفد ضمير الأمة» العبارة التى اتخذها المصريون شعاراً يرددها الفقير والغنى، قبل نحو 90 عاماً، صارت اليوم مجهولة عند بسطاء الشعب، وشريحة كبيرة من ميسورى الحال منه، وربما محلاً للسخرية: «حزب مين يابن الحلال، وضمير أمة مين، لا أعرف وفد ولا غيره، أنا راجل بجرى على أكل عيشى، والشهر الكريم داخل علينا وعايز أبيع الكام حتة اللى معايا»، قال «عم على» ثم واصل طريقه دون أن يلتفت بنظرة واحدة إلى حزب كان يحكم مصر، ويمر يومياً بجوار سوره الحديدى، دون أن يعرف اسمه.
حال مماثل يسيطر على أبرز الأحزاب الممثلة لحقبة تاريخية تلت حقبة «حكومات الوفد» فى الثلاثينات والأربعينات، «تاريخ حاضر بقوة، وحاضر غائب تماماً» بهذه العبارة يمكن وصف المشهد داخل مقر الحزب العربى الناصرى، الموجود بالطابق الثانى من إحدى العمارات القديمة بمنطقة وسط البلد، جمال عبدالناصر حاضر بصوره وعباراته فى كل مكان من الحزب، بداية من ممر المدخل، مروراً بالغرف والمكاتب، وصولاً لقاعة الاجتماعات، وحتى جدران المطبخ والحمام، لكنه وحيد فى حضور يواجهه غياب لجميع الناصريين. فى غرفة استقبال الضيوف والزائرين، كانت صورة الزعيم الراحل موجودة على مكتب خشبى صغير، فيما كان المقعد المقابل للمكتب خالياً، يعلوه على الحائط قصيدة بعنوان «قتلوك يا جمال».
من شرفة المقر الخالى من أى نشاط أو اجتماع أو استعدادات لفعاليات ميدانية يشعر بها المواطنون، لا سيما «الغلابة» منهم رأس مال «عبدالناصر» الذى لم يفن، كانت الحركة على قدم وساق فى شارع طلعت حرب، وعلى مرمى البصر يميناً ميدان التحرير الذى شهد ثورتين شعبيتين فى غضون 4 أعوام، وتزيد قليلاً، لم تغب عنهما صور «ناصر»، فيما يقود الطريق يساراً إلى حزب آخر، رغم تاريخه الممتد لنحو أربعة عقود، إلا أن المواطنين فى دائرته ممن يطالعونه يومياً، لا يعرفون عنه سوى لافتة «حزب التجمع» الكبيرة التى تطل على تمثال «طلعت حرب» ويتخذونها علامة مميزة على الرصيف، دون أن يفكر أحدهم فى زيارة ما وراء اللافتة، «أنا شغال فى المحل بقالى أكتر من 15 سنة، ماطلعتش المقر ده ولا مرة، بس هوا مشهور، وبسمع أنه بيعملوا فيه ساعات ندوة، وبيقولوا شعر وكلام زى كده، أو حفلات وأغانى، لكن أنا ماشفتش بعينى بصراحة»، قال صاحب محل صغير لبيع الأدوات المنزلية، كان يجلس على مقعد خشبى أمام واجهة المحل، على بعد أمتار قليلة بالجانب الآخر من الحزب. المقر المشهور الذى لم تطأ قدم الحاج «أبوسيد» أرضه مرة، ولو بالصدفة، يبدأ ببوابة حديدية تشبه «بوابات الزنازين» مع إغلاقها، يعقبها 6 درجات، ثم لافتة تحمل اسم «التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى»، وصولاً لمقر مكون من طابقين، أولهما تتوسطه ساحة تتسع لاستضافة ندوة أو صالون شعر، لكنها استضافت قبل أيام «واقعة رقص ساخنة» تداولتها صفحات مواقع التواصل الاجتماعى، وثانيهما يضم عدة مكاتب خالية من أعضاء الحزب، أو العاملين فيه، حالة الخلاء التى أرجعها أحد أعضاء الحزب الذى كان موجوداً بمفرده، يشرب كوب شاى بجوار «كانتين الحزب»، قائلاً وهو ينفث دخان سيجارته: «الجو حر، والحزب مافيهوش تكييفات، والمراوح مش شغالة، لازم المكاتب تبقى فاضية، أنا مثلاً يا دوب هشرب السيجارة والشاى، وأقوم أمشى».
مكاتب الحزب اليسارى، معظمها كان خالياً من الأشخاص، مسكونة بالأوراق والدفاتر والصور، صورة للرئيس عبدالفتاح السيسى، تحت شعار «تحيا مصر»، يجاورها صور قديمة للمستشار هشام البسطويسى، مرشح الحزب فى انتخابات الرئاسة 2012، وبالقاعة الرئيسية صورة كبيرة لمؤسس الحزب «خالد محيى الدين»، أحد الضباط الأحرار الذى اعتزل العمل السياسى. بسؤال أحد الموظفين الجالسين على مكتب الاستقبال، عن أحد من القيادات للحديث معه حول رؤية «التجمع» ومواقفه وخططه للمستقبل، كأى مواطن يريد التعرف على الحزب، كانت الإجابة: «رئيس الحزب فى اجتماع بمكتبه، والأمين العام فى اجتماع ثان بمكتبه»، اجتماعان موازيان، وساعات طويلة ضائعة، وصولاً لنتائج وتوصيات لا تغادر أدراج المكتب الذى دُوّنت فيه.[SecondQuote]
«الوفد»، «الناصرى»، وثالثهما «التجمع»، العراقة حاضرة، والتاريخ يسطو فى كل زاوية من زوايا مقار الأحزاب الثلاثة، المقار التى صارت «متاحف» بلا زوار، و«عالماً موازياً» للعالم الآخر الذى يجرى من حولهم، «مشكلة الأحزاب التاريخية القديمة، أنها باتت لا تملك إلا اسمها وشعاراتها ومقاراتها، لكنها تعيش فى الماضى، ولا تمارس أى دور حقيقى وفعّال بالرغم من ثورة 25 يناير، التى فتحت آفاق العمل السياسى والحزبى بعد الإطاحة بنظام مبارك، وثورة 30 يونيو التى أطاحت بالإخوان»، قال جمال عبدالجواد، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، موضحاً أن آفة الأحزاب القديمة أنها لا تزال أسيرة حقب سياسية مضت، ومشكلات وصراعات داخلية امتدت على مدار سنين طويلة، لا تستطيع حتى اليوم الخروج منها، «عبدالجواد» استدرك فى الوقت نفسه بالإشارة إلى أن «الوفد» لديه فرصة أكبر من غيره، للانطلاق إلى الأمام، والخروج من هذه الحالة السلبية.
حالة أحزاب «ما بعد 25 يناير» لم تختلف كثيراً عن أحزاب «ما قبل 25 يناير»، رغم السياق التاريخى المغاير بين الحالتين، والمواقف المختلفة، والشعارات التى يرفعها كل فريق.
المحطتان الرابعة والخامسة لـ«الوطن» فى رحلة طرق أبواب الأحزاب، كانت فى مقرى حزبين تجمع بينهما متشابهات كثيرة، فكلاهما نشأ رسمياً عقب سقوط نظام «مبارك»، وكلاهما من الدائرة المسماة بـ«أحزاب الثورة»، وكلاهما يرتبط باسم اثنين من أبرز وجوه الثورة، أولهما حزب الكرامة الذى دشنه حمدين صباحى قبل الثورة، ليظل تحت التأسيس سنوات فى عهد مبارك، لتأتى ثورة يناير بصك الاعتماد للحزب، وثانيهما حزب الدستور الذى أسسه الدكتور محمد البرادعى، فضلاً عن الركام الكبير من المواقف السياسية المتشابهة بين الحزبين تشابهاً إلى حد التطابق، والزيارة المتشابهة كذلك تشابهاً إلى حد التطابق.
فى عمارة شاهقة بحى الدقى فى شارع مزدحم، كانت تطل لافتة «حزب الكرامة» بالطابق الثالث، «اطلع يا أستاذ شوفهم موجودين ولا لأ»، قال حارس العقار، وبعد خطوات قليلة بدت العمارة تكتظ بمواطنين يحضرون واحداً تلو الآخر، وآخرين فى طريقهم للمغادرة، الازدحام الذى جرى اكتشاف سره بعد ثوانٍ، وتبيّن أنه لم يكن مرتبطاً من قريب أو بعيد بحزب أطلقه رجل يحمل على كاهله تجربتين سابقتين فى انتخابات رئاسة الجمهورية، بل ارتبط بشركة توظيف وتدريب كائنة بالعقار نفسه، بينما لم يجد مقر الحزب أحداً يطرق بابه، «الوطن» طرقت بابه الموصود، الباب الذى كان يحمل صورة صغيرة من بوستر قديم لـ«صباحى» مدوّناً عليها شعار «واحد مننا»، وأسفلها لافتة تضامن مع قطاع غزة، وبعد طرق طويل، جاء الرد من الجهة الأخرى، مع خروج أحد العاملين بجمعية مواجهة لمقر الحزب، قائلاً: «ماحدش جه من الجماعة النهارده»، العبارة نفسها التى قالها حارس العقار الكائن به مقر «الدستور» الموجود بالحى نفسه «الدقى»، وبينما كانت لافتة «الكرامة»، الأثر الوحيد الدال على وجود حزب سياسى بالعقار الأول، لم يكن هناك أى أثر دال على وجود حزب بالعقار الثانى.. لا لافتة، ولا شعار، ولا نشاط مُعلن عنه. «فين مقر حزب الدستور لو سمحت؟»، سألنا بعض المواطنين الذين يمرون على بعد أمتار قليلة من مقر الحزب، لتتباين الردود بين: «مش عارف»، و«حزب إيه؟!»، و«الدستور بتاع البرادعى، لا ماعرفش»، حتى جاء الرد الشهير الذى تحوّل إلى ظاهرة واسعة الانتشار، تردده أغلب الألسنة فى الحالات المشابهة: «هو قالك فين؟».
حزب سياسى لم يكترث بتعريف نفسه للمواطنين من خلال لافتة تعلو مقره الرئيسى، كأضعف الإيمان، قابله عدم اكتراث من المواطنين فى التعرف عليه، فعل ورد فعل، مساوٍ له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه، معادلة أرجعها د. جمال سلامة، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، إلى أن المجتمع المصرى لا يعرف فكرة الأحزاب بالمعنى التعددى الغربى، ولا يتقبل فلسفة وجودها ولا يدرك لها أى أهمية، خصوصاً أنه لا توجد كيانات حزبية ذات برامج محددة، وخطط للانتشار والوصول للحكم، استطاعت أن تغيّر هذه الثقافة العامة وتحسن من صورتها لدى المواطن، «منذ أن فتح الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الفرصة للأحزاب كى تعمل، بعد حظر دام سنوات فى ظل حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لم نر حزباً واحداً استطاع أن يكسب ثقة المواطنين بناء على انحيازات اقتصادية وسياسية، ونشاط حقيقى فى العاصمة والمحافظات». «جمال» أشار إلى أن ضعف الهياكل التنظيمية للأحزاب، ومحدودية إمكانياتها بشرياً ومالياً، يجعل من الصعب عليها الوصول إلى الشارع، والتأثير فى ثقافة المواطن، وكسب ثقته، ما يوجب على تلك الأحزاب اختيار عناصر جديدة فى صفوفها، ووضع خطط مرحلية للانتشار والنمو، وبناء هياكل تنظيمية قوية ومتماسكة، وإيجاد مصادر شرعية قانونية لتمويلها، حتى لا تظل «فاترينات للعرض فقط».
الأحزاب الجديدة التى تأسست فى أعقاب «25 يناير»، التى راهن عليها البعض لسد الفراغ السياسى وبناء قوى مدنية حقيقية، لم تستطع تحقيق وجود ملموس على الأرض، وتواصل فاعل مع المواطنين، وبناء ظهير جماهيرى قادر على ترجيح كفتها فى أى استحقاق انتخابى، بحسب د. هالة مصطفى، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، معتبرة أن الأحزاب عموماً، بصرف النظر عن وصفها بالكبيرة أو الصغيرة، أو أحزاب ما قبل الثورة أو بعدها، ما زالت ضعيفة فى مجملها، والدليل أن تحرك الشعب دائماً يسبقها، وحدث ذلك فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو على السواء، إضافة إلى أنها فشلت فى محاولات اندماجها ضمن كيانات حزبية كبيرة وفاعلة، أو ائتلافها فى تحالفات سياسية وانتخابية ناجحة قادرة على الاستمرار.
التصنيف بين أحزاب «ثورة» وأخرى «فلول»، وأحزاب «جديدة» وأخرى «قديمة»، فضلاً عن التصنيف السياسى بين أحزاب «ليبرالية، واشتراكية، ويسارية»، كلها تصنيفات لم تعكس أى فروق حقيقية على مستوى الأرض، الزيارة الأخيرة فى جولة «الوطن» إلى مقر حزب «الحركة الوطنية المصرية»، الذى أسسه الفريق أحمد شفيق، آخر رؤساء حكومات الرئيس الأسبق مبارك، الذى حل وصيفاً فى «سباق الرئاسة» قبل الماضى، أكدت أنه «لا شامى ولا مغربى» فى الحياة الحزبية، التى تعانى من مشكلات مشتركة، وضعف متطابق، وعزلة عن المواطنين لا يختلف فيها «ابن الثورة» عن «ابن الدولة»، ولا حزب «المائة عام» عن حزب «السنة الأولى».
فى مقر أمانة حزب «شفيق» بالقاهرة، الذى يقع على بعد أمتار من ميدان التحرير، وعلى بعد آلاف الكيلومترات من محل إقامة مؤسسه بالإمارات، لم يكن هناك أى شىء، سوى لافتة تحمل اسم الحزب، وموظف يملُ من جلسته. على مدار 60 دقيقة، لم يحل زائر إلى الحزب، ولم يطرق أبوابه شخص يطلب عضويته، من بين ما يزيد على 11 مليون شخص أعطوا أصواتهم لمؤسس الحزب ليأتى رئيساً للجمهورية قبل 3 أعوام.
«أنا انتخبت شفيق وقت الانتخابات بتاعة مرسى، لكن عمرى ما فكرت أنضم لحزبه، انتخبته لأنه كان عنده خبرة وقدرة على استعادة الأمن ولأنى كنت ضد الإخوان، لكن الحزب بتاعه زى أى حزب، ملهوش وجود ولا تأثير»، قال محمد على، خريج كلية التجارة، الذى اعتبر أن «الأحزاب كلها شبه بعضها»، مضيفاً «إحنا عايزين حزبين أو تلاتة، مش أكتر، ويشتغلوا بجد عشان الناس تعرفهم وتثق فيهم، وبلاش حكاية أحزاب الأشخاص، مفروض كل حزب يبقى قايم على خطة وأهداف وعمل حقيقى على الأرض، لكن ده مش موجود».[ThirdQuote]
رأى الشاب العشرينى، الذى يعبر عن وجهة نظر يتبناها كثيرون غيره ممن يفقدون الثقة فى الأحزاب، تشابه إلى حد كبير مع رأى الدكتور عمرو الشوبكى، أستاذ العلوم السياسية، الذى أوضح أن الأحزاب تحولت إلى مجرد «مقار ولافتات» لا تؤدى دوراً يلمسه المواطن الذى بات ينظر إليها على أنها «مجرد ديكور»، مشيراً إلى أن فكرة «الديكور السياسى» صنعها مبارك خلال فترة حكمه على مدار 30 عاماً، وظلت مستمرة حتى الآن، بالرغم من مرور ثورتين. «الشوبكى» حمّل قيادات الأحزاب جزءاً كبيراً من ضعفها وتدهورها وغياب دورها فى الشارع وفقدان الثقة فيها، لكنه فى الوقت نفسه حمّل الأنظمة السياسية المتعاقبة الجزء الآخر من المشكلة، «الأحزاب تتحمل نص المشكلة، لكن الإرادة السياسية للأنظمة التى توالت حتى الآن، تتحمل الجزء الآخر، لأنها تدفع فى اتجاه عدم وجود حياة حزبية حقيقية وفاعلة، سواء من خلال قوانين تضر بالحياة السياسية والمشهد الانتخابى، أو إجراءات تعسفية تخنق المجال السياسى وتحصره فى عملية معروفة النتائج مسبقاً»، مضيفاً أن مقولة «الأحزاب منقسمة وضعيفة ومالهاش دور» مقولة صحيحة، لكنها لا تبرر ممارسات سلطوية تزيد من ضعف تلك الأحزاب، أو تجاهلها باعتبارها غير موجودة.
ست زيارات فى جولة مفاجئة على مدار يوم كامل، إلى ستة مقار حزبية تختلف فى توجهها السياسى، وانتمائها الفكرى، وبرامجها الاقتصادية، لكنها تتفق على ما هو أهم من ذلك، بداية من نشاطها «اللى مش موجود» إلى دورها «اللى مش مؤثر» ووجودها «اللى زى قلته». ست زيارات اختلفت عناوينها، ولم يختلف مضمون كل زيارة منها، من مقر مهجور، إلى مقر لا يسكنه إلا الماضى، إلى مقر تحول لمقهى واستراحة لتناول «الشاى الخمسينة مع السيجارة»، وصولاً إلى مقرات مغلقة بـ«الضبة والمفتاح»، كنموذج مصغر من نموذج كبير لحياة حزبية، بالرغم من تعداد كياناتها الذى تخطى المائة، إلا أنها تبدو أيضاً مغلقة بـ«نفس الضبة» و«نفس المفتاح».