الأخلاق في الإسلام (2)

عمار على حسن

عمار على حسن

كاتب صحفي

جعل القرآن الكريم من الأخلاق قضية جوهرية، جانب منها ربانىَّ، لا تهزه الأهواء، ولا تجرحه الشهوات، ولا يتحول عن قواعده، أو يتبدّل لخدمة طبقة أو طائفة من الناس، لأنهم سواسية، مصروفة كرامتهم فى الدنيا إلى آدميتهم: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» (الإسراء: 70)، وفى الآخرة إلى تقواهم، وليس لجاه أو منصب أو مال أو عُصبة أو عزوة: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات: 13).

كما يجعل القرآن جانباً من الأخلاق إنسانياً، حيث تُصان الحرمات، وتُحمى الحقوق، ويجرى التواؤم بينها وبين الطبيعة السوية للبشر، وبين بعض ما يميزهم عمن سواهم من مخلوقات الله، وأن تنبع من داخلهم، لا تفرض عليهم فرض القهر والتحكم والتسلط، وأن تراعى الطبيعة المزدوجة للإنسان الناشئة عن نفخة الروح، وقبضة الطين، فتُلبى الاحتياجات المشروعة للجسد، وتراعى إشراقة الروح، دون أن تهمل ما يواجهه الفرد من ظروف وأحوال ومستلزمات، أو تتخلى عن سعيها الدائم الدائب فى سبيل تحقيق الكمال الإنسانى.

ولمس الإمام محمد عبده الغاية الأخلاقية فى الإسلام فربط العبادات بها، حيث رأى فى كتابه «رسالة التوحيد»، الذى يلمس فيه جوهر هذا الدين، أن العبادات فى الإسلام تتوافق مع ما يليق بجلال الله وسمو وجوده عن الأشياء، وتلتئم مع المعروف عند العقول السليمة.

فالصلاة بكل حركاتها تصدر عن الشعور بالسلطان الإلهى، فتخلق التواضع والتضرّع، والسعى الدائم للانتهاء من الفحشاء والمنكر من السلوك.

والصوم حرمان يعظم به أمر الله النفس، وتُعرف به مقادير النعم عند فقدها، ومكان الإحسان الإلهى فى التفضّل بها، وهو بذلك يخلق روح المشاركة، ووحدة الإحساس بين الغنى والفقير، والقوى والضعيف.

والحج تذكير للإنسان بأوليات حاجاته، وتعهد له بتمثيل المساواة بين الإنسان وغيره، ولو لمرة فى العمر، ورفع الامتياز بين الناس، وتعميق شعورهم بالتقارب ووحدة الأصل والمصير. والزكاة تعزّز الشعور بالتقارب مع الله ومع المجتمع فى آن.

أما المعاملات بين الناس، فيجب أن تتحلى بقيم المحبة والتراحم والتكافل وتوقير الكبير والعطف على الصغير، والابتعاد عن الجدال العقيم والفُجر فى الخصومة، وصولاً إلى الأشياء البسيطة، مثل البشاشة فى وجوه الناس، وحفظ أسمائهم، وذكر خصالهم المميزة، والتصرّف حيالهم، وفق «المداراة» وليس «المداهنة»، بما تعنيه الأولى من خفض الجناح للناس، والرفق بالجاهل فى محاولة تعليمه، وبالفاسق فى نهيه عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حتى لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، وما تعنيه الثانية من التلطف الذى يقر الخاطئ على خطئه، والفاسق على فسقه، والسائر على هواه.

ويحض القرآن على قيمة العمل وضرورته، فيقول الله تعالى: «هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» (الملك: 15)، ويقول: «فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِى الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ» (الجمعة: 10). كما يذكرنا فى نصه وتفاسيره أن أنبياء الله ورسله كانوا يأكلون من عمل أيديهم، فكما يقول الترمذى فى «بيان الكسب» فقد كان آدم حراثاً، وحواء كانت تغزل ثيابها ومثلها مريم، ونوح كان نجاراً، وإدريس خياطاً، وداود زراداً، وموسى راعياً، وإبراهيم زارعاً، وصالح تاجراً، وزكريا نجاراً، ولقمان خياطاً، وسليمان خواصاً، وشعيب وهود تاجرين، ومحمد راعياً ثم تاجراً.

وتأتى الأحاديث المنسوبة إلى الرسول الكريم لتؤكد قيمة العمل، ومنها:

«من بات كالَّاً من عمل يديه بات مغفوراً له».

«فضل العامل على العابد كفضلى على سائر الناس».

«لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره، خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه».

«أفضل كسب الرجل كسب يد العامل إذا نصح».

(ونُكمل غداً إن شاء الله تعالى)