ما المطلوب من الشعب الفلسطيني؟
ما المطلوب اليوم من الشعب الفلسطينى؟ والأحداث فى المنطقة تقفز فوق قضيته إلى صراع أكبر بين إسرائيل وإيران!، ربما يستهدف جزئياً تصفية قضيته والرقص على أشلائها كما يحلم «نتنياهو» وعصابته من أشرس متطرفى السياسة فى بلاده.
ما المطلوب من المواطن الفلسطينى البائس بعد أن ضاعت أحلامه فى السلام، وتمزقت آماله فى المقاومة، بعد أن جرب الطريقين ووصل فيهما إلى طريق مسدود، وبات إما أسيراً فى الضفة أو شريداً فى غزة أو لاجئاً تلفظه عواصم العالم، إلا من فاز بجنسية أخرى أراحته من هم جنسيته الأم، التى أصبحت بمفردها عبئاً يضعه فى خانة المشتبه فيه، حتى بين أحضان أشقاء له.
فى مايو الماضى، وصلنا بحساب الأيام إلى 30 عاماً بالتمام، مضت على اتفاقية «غزة أريحا»، الورقة الأولى فى كتاب السلام الفلسطينى الإسرائيلى، وخلال هذه الأعوام الثلاثين مر على الشعب الفلسطينى أحداث جسام وحروب عدة، بحساب الضحايا وفواتير الخسائر، الأرقام مفزعة، خاصة فى الشهور العشرة الأخيرة، أى بعد 300 يوم من طوفان الأقصى، نتحدث عن قرابة 39 ألف شهيد و33 مليار دولار وفق البيانات الفلسطينية.
على صعيد «السلام»، لا يستطيع أحد الجزم بشكل قاطع بأن دولة الاحتلال الإسرائيلى كانت حريصة على السلام مع الفلسطينيين، فما جرى بعد «أوسلو 1993» وما صاحبه من خلافات وانقسامات، ثم مقتل رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحق رابين فى نوفمبر سنة 1995، إلى وصول بنيامين نتنياهو لسدة الحكم رئيساً للوزراء لأول مرة فى منتصف سنة 1996، ليحاصر عملية السلام ويقوضها ويعرقل دور السلطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، مستغلاً تصعيداً من حركة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية الموالية لها.
ونشاطاً مكثفاً (بدعم إيرانى) فى تنفيذ عمليات استشهادية ضد أهداف مدنية ومستوطنين، لتبدأ المعركة الصفرية التى نعيش نهايتها هذه الأيام بعد أن تجلت أعمال المقاومة الإسلامية فى طوفان الأقصى وما أعقبه من اجتياح إسرائيلى لقطاع غزة وتدميره وتجويع الشعب الفلسطينى فى أشرس حرب إبادة عرفتها البشرية منذ فجر التاريخ وإلى اليوم، وصولاً إلى تصويت الكنيست الإسرائيلى برفض قيام «دولة فلسطينية»، وهو ما يمثل شهادة الوفاة الأخيرة لعملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
أما على مسار المقاومة، فالرادع الوحيد الذى يملكه الشعب الفلسطينى الآن، ورغم التحفظ من كثيرين على مشروع «حماس» بسبب نشأته الإخوانية ورعايته إيرانياً، فهذا لا يعنى بالضرورة رفض منهج المقاومة، بل إن الأمر يحتاج إلى مراجعات يتم فيها التراجع عن المتاجرة بالمقاومة، والتربح منها، وتراكم دوائر الفساد حول قادتها، وهذه بعض أمراض تصيب المناضلين بالفقر الفكرى والتكلس العسكرى والعمى السياسى، وهو ما وقعت فيه «فتح» قبل «حماس»، وتسقط به كل حركات المقاومة التى تنشأ فى حواضن الدول الكبرى، تكبر وتترعرع فى بلاط السلطة، وترث منها ألاعيب الحكم وبراجماتية السياسة.
فيما كانت أشرف أشكال المقاومة فى تاريخ القضية هى الانتفاضة الفلسطينية الأولى «انتفاضة الحجارة» سنة 1987 والتى استمرت شرارتها متوهجة حتى سنة 1992، خرجت بعفوية شعبية بعيداً عن سطوة التنظيمات، وكانت أشد تأثيراً على دولة الاحتلال من كل عمليات المقاومة المسلحة التى جرت قبلها أو بعدها، فقد زلزلت الأرض التى اغتصبها المحتل وأربكت حساباته وكشفته أمام العالم، الذى أدهشه صمود الطفل الفلسطينى بحجارته أمام المدرعات الإسرائيلية المدججة بأشرس الأسلحة.
وكانت أسوأ نتائج هذه الانتفاضة هو ميلاد حركة حماس من رحمها، ثم اختطاف منظمة التحرير لها وهى فى طريقها إلى أوسلو فى مشوار للسلام الزائف، والذى كان أبرز دواعيه هو الرغبة الإسرائيلية فى القضاء على تلك الانتفاضة، فجاءت بسلطة فلسطينية لتقوم بقمعها ويتفجر بعدها الاقتتال الفلسطينى الداخلى ويترسخ به انقسام الصف الذى لا يزال قائماً إلى اليوم، ليكن هذا هو ملخص عملية السلام التى انطلقت منذ منتصف تسعينات القرن الماضى.
إن خيار المقاومة السلمية هو الخيار الاستراتيجى للشعب الفلسطينى، بالتوازى مع التمسك بالأرض ومقاومة كل محاولات التهجير بكافة أشكالها، أعلم أنه لا يوجد أسهل من الكلام فى خضم هذه الأزمة الكبرى، بعد أن عزّت الأفعال وضاقت بنا السبل، لكن ما علينا سوى المشاركة حتى ولو بفكرة ربما تثمر ويأتى يوم نجنى فيه ثمارها. رسالتى إلى الشعب الفلسطينى البطل.. لا تتوقفوا عن المقاومة.. وعودوا إلى الحجارة.. فهى سلاحكم القديم والجديد الذى سيرعب قلوب الاحتلال وجيشه، لقد فعلها جيل سابق، وجاء دور جيل جديد يستنهض ما تبقى من خير فى قلوب العالم ليساند أصحاب الحق فى استرداد أملهم الأخير فى الحياة.