إخوان بنجلاديش ولعبة إسقاط الدول

هو جين في تركيبة أي إخواني، هو يجري منهم مجرى الدم، إما أن أحكم الناس أو يذهبوا إلى جحيم الفوضى والقتل والدمار.

إخوان مصر هم إخوان الإمارات هم إخوان سوريا هم إخوان بنجلاديش، لا فرق في القلوب المتحجرة، والعقول المتخلفة، والنفوس الخربة الميتة.

لا فرق بينهم وبين أي عميل خائن لبلده، لديهم الاستعداد الكامل للتعاون مع الشيطان، طالما سيحقق لهم ما يتمنونه، ويأملونه؛ الفوضى والخراب، وأنهر الدماء.

كانت دولة أشاد باقتصادها صندوق النقد والمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، ظلوا خلفها حتى بدأت أول طريق الخراب نحو شبه الدولة، دفعوا مواطنيها للخروج لهدمها، فسقطت الجثث في الشوارع، وأحرقت الممتلكات العامة والخاصة.

في يوليو 2024 أسفرت الفوضى والمظاهرات الغاضبة في بنجلاديش (التي يبلغ عدد سكانها 170 مليون نسمة) عن هروب رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واستقالتها على خلفية أزمة اقتصادية عنيفة أدت إلى تردي العملة الوطنية وانهيار الاحتياطي النقدي بسبب تلبية احتياجات البلاد من الواردات الأساسية، في ظل أزمة عالمية.

وفي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه تدخل الجيش البنجالي وطلب من رئيس البلاد تشكيل حكومة مؤقتة توقف العنف المستشري في البلاد الذي أسفر عن مئات القتلى في الشوارع.

هروب رئيسة الوزراء قد يوقف القتل في الشوارع، لكنه لن يمنح الاستقرار للبلاد، فوفقاً لمراقبين تتجه بنجلاديش نحو انهيار عنيف، بعد أن استنفدت الحكومة المستقيلة موارد البلاد واحتياطياتها في محاولة منها للصمود أمام الأزمة الاقتصادية العالمية.

باع البنك المركزي في بنجلاديش مليارات الدولارات لإنقاذ العملة الوطنية في محاولات فاشلة للسيطرة على الأسعار والتضخم، ما أدى لانخفاض مستوى الاحتياطي من 41.8 مليار دولار عام 2023 إلى 26.8 مليار في 30 يونيو 2024.

الغريب أن هذه الدولة المنهارة كانت قبل أربع سنوات مثالاً للاقتصاد القوي والنامي، لدرجة أن صندوق النقد الدولي أشاد بإدارة الاقتصاد البنجالي الذي تغلب على الهند من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد الذي بلغ 1888 دولاراً، بل إن المراقبين كانوا ينظرون لبنجلاديش على أنها ستصبح قوة اقتصادية صاعدة متقدمة بحلول 2041.

فبالإضافة إلى اكتفائها الذاتي من محاصيل أساسية عديدة، تعد رابع أكبر منتج للأرز والمانجو ومصايد السمك الداخلية، وخامس أكبر منتج للخضراوات.

ظلت بنجلاديش تحقق نسبة نمو تفوق 6% منذ عام 2009، وهي إنجازات تقف وراءها الشيخة حسينة، إلى جانب خلق فرص عمل ضخمة لعشرات الآلاف من الفلاحين والعمال وسائر فئات الشعب.

انطلقت الأحداث الفوضوية بسبب قانون فرض حصص للتوظيف في القطاع العام لـ«أبناء أبطال حرب الاستقلال»، فخرج عدد من الطلاب في مسيرة في العاصمة، ولما خشيت الحكومة من تجدد أعمال التظاهر والشغب، قررت منح الشعب إجازة لمدة ثلاثة أيام، فتوقفت الشركات والمصالح الحكومية والخاصة، لكن هذا لم يمنع المحتجين من تجديد الدعوة لمسيرات أكثر حشداً.

قانون التوظيف الذي يعارضه طلاب الجامعات يخصص نسبة كبيرة من الوظائف الحكومية للمحاربين القدامى وأسرهم (30%)، والنساء (10%)، والأقليات العرقية خاصة الهندوس (5%)، التظاهرات طالبت بأن يكون التوظيف بحكم الخبرة والكفاءة لا بحجة أنهم أبناء شهداء ومحاربين.

الشيخة حسينة هي ابنة الزعيم المؤسس الذي قاد حرب الاستقلال عن باكستان في 1971 «رداً على اضطهاد العرق البنجالي» وعمليات التهميش الواسعة للبنجال التي قادتها الجماعة الإسلامية في باكستان، لكن القائد المنتصر الذي قاد شعبه للاستقلال، قتل عام 1975 في انقلاب عسكري دموي وقتل معه معظم أفراد عائلته، ولم تنجُ من العائلة الرئاسية سوى الشيخة حسينة وأختها اللتين كانتا خارج البلاد وقتها.

استغل قادة حزب الجماعة الإسلامية (إخوان بنجلاديش) المعارضون لحكم «حسينة» تلك المظاهرات، فزادوها تأجيجاً وطالبوا أنصارهم بالنزول للشوارع، وتطورت المطالب من العدالة في التوظيف، إلى الإطاحة بحكم «حسينة»، والانتقام من أسرتها التي قادت الاستقلال الذي عارضوه وقتها وما زالوا.

وخلال 3 أسابيع فقط من ركوب الجماعة الإسلامية موجة التظاهرات؛ بأوامر القائم بأعمال أمير الجماعة الإسلامية، سالت الدماء في الشوارع وجرى تخريب الممتلكات العامة والخاصة، رغم تراجع الحكومة عن القرار الذي تسبب في الشرارة الأولى.

على مدار سنوات طويلة نجحت بنجلاديش في الحفاظ على علاقات متوازنة بين القوى المتنافسة والمتصارعة، فعلاقتها بالهند والصين جيدة وإن كانت تميل قليلاً نحو الصين، وحافظت أيضاً على علاقة جيدة بين الصين والولايات المتحدة، وإن كانت تميل قليلاً إلى الصين.

الشيخة حسينة كانت من الذكاء والفطنة، وتجنبت طيلة سنوات حكمها الابتعاد عن الحياد والتوازن في العلاقات، لذا عندما شعرت بترجيح كفة الصين في مشروع إنشاء أحد الموانئ، تراجعت عن تنفيذ الاتفاق بعد أن بلغ الغضب الهندي مداه، لكنها في الوقت نفسه أوصلت العلاقات مع الصين إلى مستوى استراتيجي.

سنوات طويلة نجحت فيها بنجلاديش في تحقيق هذا التوازن السياسي والاقتصادي، لكن يبدو أن التوازن لم يكن مقنعاً لجماعة الإخوان، ولم يكن كافياً للحيلولة دون السقوط في الفوضى.

ألا لعنة الله على جماعة الإخوان.