وزير التربية والتعليم والتليفزيونات .. (2)
شاء الدكتور محب الرافعي وزير التربية والتعليم ألا أن يؤكد ما كتبناه، هنا قبل أيام قليلة، بأنه لا يملك استراتيجية شاملة وعملية لتطوير منظومة التعليم ما قبل الجامعي، وشاء أيضا إلا أن يؤكد إنه رجل تلفزيوني بالدرجة الأولي ويحمل أفكارا ورؤي للتطوير، فوق إنها رؤي نظرية وغير واقعية، فإنها تصلح لمجتمع مختلف تماما عن المجتمع المصري!
سنتجاوز عن أن الرجل فضل أن يحل ضيفا على أكثر من برنامج تلفزيوني عشية امتحانات الثانوية وترك متابعة اخر الاستعدادات لامتحانات الثانوية العامة والإشراف على غرف العمليات المركزية واللامركزية المعنية بوضع أخر اللمسات للامتحانات التي تأهل لها أكثر من نصف مليون طالب!
حل وزير التربية والتعليم ضيفا على الزميل خيري رمضان فى برنامج ممكن على شاشة سي بي سي، عشية بدء امتحانات الثانوية القديمة ، ثم حل فى الليلة التالية ضيفا على الزميل أسامة كمال فى برنامج 360 درجة على قناة القاهرة والناس عشية امتحانات الثانوية الجديدة، وأفاض شرحا وتفسيرا لخططه لتطوير التعليم فى مصر، وجاء كل ما يقوله كلام مرسل لا علاقة له بالواقع، فالرجل وعلى مدي أكثر من ثلاث ساعات فى البرنامجين، لم يدع أي معضلة من المعضلات التي تحيط بالعملية التعليمية، أو بالأصح بالمأساة التعليمية، إلا وقام بوضح حلول لها على الهواء مباشرة، وللأسف كانت كلها حلولا حلمنتشية لا علاقة لها بالواقع، على سبيل المثال وليس الحصر، قال الوزير إنه سوف يقضى على أزمة محو الأمية فى مصر خلال ثلاث سنوات فقط، وعندما سئل : كيف ؟
فقال الوزير : لدينا 17 مليون أمي، ولدينا 3.5 مليون طالب جامعي، سنلزم كل طالب بمحو أمية أربعة أشخاص فقط، وهذا يعني ـ بحسب كلام الوزير ـ إننا سننتهي من محو أمية كل من لا يعرف القراءة والكتابة فى ثلاث سنوات!
مثال اخر يكشف عن مثالية رؤي الوزير وعدم واقعيتها، وهو ما قال إنه سيقوم بتنفيذ خطة للقضاء على أمية عدد كبير من تلاميذ المرحلة الابتدائية، أثبتت ما وصفه باختبارات التنافسية التي قامت الوزارة بإجرائها ان كثير منهم يجهلون القراءة والكتابة !
قال الوزير إنه تم مؤخرا إعداد دورة تدريبية لمدة أسبوعين لخمسة الاف معلم، حصلوا خلالها على كيفية محو أمية تلاميذ المرحلة الابتدائية، وقال الوزير أن كل واحد من أولئك المعلمين الخمسة الاف سوف يقوم بتعليم 20 مدرس من زملائه كيفية محو أمية تلاميذ الابتدائي، وبهذا ـ وبحسب حسابات الوزير ـ فإن الوزارة سيكون لديها مائة الف معلم صالحون لمحو أمية تلاميذ المرحلة الابتدائية!
وعن تحسين الوضع المالي للمعلم ـ الركن الركين فى العملية التعليمية ـ قال الوزير إنه لن يستطيع حاليا الكلام عن أية زيادات فى مرتبات المعلمين، ولكنه سوف يقوم فى العام القادم بجعل مرتب المعلم من أكبر المرتبات فى مصر، وعندما سئل الوزير : كيف سيحدث هذا .. قال الوزير: أن الوضع الاقتصادي فى مصر سيتطور العام المقبل بشكل كبير، وعندها سوف يتقدم بطلب تعديل أجور المعلمين، وقال إنه يتعهد بأن يجعل مرتبات المعلمين من أكبر المرتبات فى مصر!
وحول خطط وزارة التربية والتعليم لتحقيق الانضباط فى أداء امتحانات الثانوية العامة ومنع عمليات الغش الجماعي والاعتداء على المراقبين، قال الوزير إنه قرر منع دخول أجهزة التليفون المحمول مع الطلاب، مشيرا إلى أن كل طالب وولي أمره وقعا إقرارا بعدم حمل الطالب لجهاز تليفون محمول عند دخوله إلى مقر لجنة الامتحان، وحذر الوزير أن من سوف يضبط معه جهاز تليفون محمول داخل اللجنة ـ حتي لو لم يستخدمه فى الغش ـ سيتم فصله لمة ثلاث سنوات، وقال الوزير إنه تم التنسيق مع وزارة الداخلية حيث تم تشكيل فريق حماية بجوار كل لجنة امتحان، لحماية المراقبين ومنع الغش، وأضاف إن المراقب الذى سوف يضبط حالة غش سوف يمنحه مكافأة مرتب شهر، ومن سوف يتم ضبطه معاونا لعملية عش سوف يتم خصم شهرين من راتبه ومنعه من الاشتراك فى الامتحانات خمس سنوات، وختم الوزير كلامه وقال بكل ثقة فى حواراته التلفزيونية : هذه الاجراءات سوف تضمن تحقيق الانضباط فى لجان الامتحانات!
ما سبق هو بعض من كل ما طرحه الوزير خلال حواراته التلفزيونية، وهي عينة من أفكار وخطط هلامية يسعي وزير التربية والتعليم إلي ترويجها باعتبارها سوف تكون بمثابة تطويرا لمنظومة التعليم ما قبل الجامعي وضبط الأداء خلال العملية التعليمية.
أظن أن ما أفتي به الوزير يوجب إقصاءه عن منصبه فورا، وإحالته إلي أية مهنة تكون بعيدة عن التعليم تماما، فجلوس هذا الرجل، وبكل حسن نيته ونقاء سريرته، على مقعده يمثل هدرا للوقت الضائع أصلا، لا ينبغي أن يكون لدينا وزراء من هذه النوعية التي تعتمد التصريحات الصحفية والتلفزيونية مخرجا والكلام المرسل والخطط الخيالية منطلقات للعمل والحفاظ على كراسي السلطة !
يا معالي الوزير .. نحن نحتاج حلولا من خارج الصندوق لكل امور حياتنا، فى التعليم وفى غيره، ونحتاج لاقتراح هذه الحلول ولتنفيذها رجالا من خارج الصندوق أيضا .. أظن أن سيادتك مؤمن بأفكار وخطط مستقاة من صندوق قديم عتيق فى الفكر والفهم والإدراك ، صندوق عفي عليه الزمن ولا يحوي أية فكرة تخرجنا من الأزمات العديدة المحيطة بنا !