نازحون من غزة: ندفع حياتنا ثمنا لعدم تصفية القضية الفلسطينية.. والأمراض تقتل أطفالنا

نازحون من غزة: ندفع حياتنا ثمنا لعدم تصفية القضية الفلسطينية.. والأمراض تقتل أطفالنا
على مدار 300 يوم من حرب الإبادة الجماعية التى يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة، عانى سكان القطاع الفلسطينى القتل والدمار، وما يزيد من هذه المعاناة اضطرار مئات الآلاف منهم إلى النزوح المستمر، ولأكثر من مرة خلال فترة الحرب، حيث تزداد معاناة النازحين فى غزة بسبب الظروف المعيشية القاسية والمأساوية، فلا غذاء ولا مياه نقية صالحة للشرب، إضافة إلى انعدام الخدمات الأساسية، وتدمير البنية التحتية مع استمرار حرب الإبادة، التى يشنها جيش الاحتلال منذ السابع من أكتوبر 2023، وما زالت مستمرة رغم العديد من النداءات الدولية لوقف إطلاق النار.
تحدث عدد من النازحين فى قطاع غزة لـ«الوطن» عن أوضاعهم المأساوية، بدايةً من تغير حياتهم الآمنة إلى خوف وحزن على ذويهم وأصدقائهم، ومروراً باضطرارهم للعيش داخل خيام قد يقصفها المحتل فى أى وقت، وأخيراً بسبب الجوع والأمراض التى يتزايد انتشارها بين السكان المقيمين فى مخيمات النازخين، والذين أكدوا أنهم يدفعون حياتهم ثمناً لعدم تصفية القضية الفلسطينية، ومنهم «وهبة أبومحمد»، البالغ من العمر 44 عاماً، الذى يعيش مع أفراد أسرته المكونة من 12 شخصاً داخل خيمة واحدة فى مخيم للنازحين بمدينة «المواصى»، غرب مدينة رفح، فى جنوب قطاع غزة، وسط ظروف قاسية، والذى أكد أنه نزح مع عائلته قبل أكثر من 100 يوم، حيث كان يعيش فى حى «الزيتون» بمدينة غزة، واضطر للنزوح جنوباً إلى مدينة خان يونس، قبل أن يطلب منهم جيش الاحتلال النزوح مرة أخرى إلى منطقة المواصى، قبل بدء العملية العسكرية فى مدينة رفح الفلسطينية، وقال إنه حتى بعد انتقاله مع أفراد عائلته إلى مخيم المواصى، فإن الموت ما زال يلاحقهم يومياً.
وأوضح «وهبة» أن غالبية أفراد الأسرة من الأطفال، يعيشون فى خيمة واحدة، فى حالة من الخوف والقلق معظم الوقت من وصول القصف إلى الخيام والبيوت، بعد أن ادعى الاحتلال أنها «آمنة»، وقال: «كلمة أماكن آمنة كذبة كبيرة.. نحن ندفع حياتنا ثمناً للحرب علينا»، كلمات مأساوية من «وهبة» يدعو بها العالم والشعوب الحرة فى كل مكان لوقف نزيف الدماء، ووقف الدمار وقتل المزيد من الضحايا، غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن، وكرر دعوته قائلاً: «كفى، كفى، كفى.. الأمراض تقضى على الأطفال، الأطفال يموتون»، وأضاف أن باقى النازحين يوافقونه الرأى، ويطلبون حلولاً للعودة للديار، ووقف إطلاق النار، وأضاف أن الأمراض تقضى على الأطفال واحداً تلو الآخر، بدايةً من الإنفلونزا والإسهال وارتفاع درجات الحرارة والحمى، والفيروسات الكبدية، وصعوبة التنفس، ونقص السوائل». أما زوجته «هناء» فتشكو سوء أوضاع النازحين فى مخيم «المواصى» بقولها: «نعيش أصعب الأوقات، فلا يتوافر لدينا دواء ولا ملابس ولا مياه نقية، وأطفالنا جميعهم مرضى»، وتابعت بأسى: «حتى الأكل غير متوفر، وبصعوبة نحصل عليه»، واستطردت بقولها: «هذا كله على مرأى ومسمع من العالم الصامت»، وأضافت متسائلة: «ماذا يريد الاحتلال غير القتل والانتقام والتخريب فى المنازل والبنايات السكنية والبنية التحتية والمواطنين؟»، وناشدت «هناء» العالم الحر سرعة العمل على توفير مقومات الحياة، وقالت: «لا نطلب المستحيل، فقط نريد الطعام والشراب والمسكن الملائم والأدوية لأطفالنا، والأهم هو وقف الحرب على غزة، والعمل على عودتنا إلى منازلنا فى شمال غزة». «أطفالى مصابون بأمراض جلدية متنوعة بسبب التلوث، ولا يوجد علاج لهم» هكذا تحدث محمد البسيونى، أحد النازحين الفلسطينيين، عن معاناة أسرته بسبب نقص مستلزمات النظافة الشخصية لأطفاله، وقال: «حتى الصابون لم نعد نجده»، كما أن تلوث البيئة تسبب فى انتشار الأمراض الجلدية بين الكثير من الأطفال، من بينهم أفراد من أسرته، ودمر منزل «البسيونى» فى بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، مما دفعه إلى النزوح مع أسرته إلى إحدى المدارس التابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، ومن وقتها يفتقدون المياه النظيفة وأدوات التنظيف، كما أن القمامة أصبحت تغطى الشوارع، وأصبحت قريبة للغاية من الخيام، ويتجمع عليها الذباب والبعوض، مما يسبب الكثير من الأمراض، وأضاف أن «المخيف فى الأمر هو توقف غالبية المستشفيات والوحدات الصحية فى القطاع».
وقال الطبيب محمد الشيخ، يعمل فى مستشفى «المعمدانى» بمدينة غزة، إن الأمراض الجلدية انتشرت بين صفوف النازحين نتيجة لتلوث البيئة، وانعدام المياه النظيفة، وعدم توفر الطعام الصحى، وتراكم النفايات ومياه الصرف الصحى، وأضاف أن التلوث هو سبب انتشار الأمراض الجلدية بشكل كبير وملحوظ، جراء تداعيات العدوان فى أماكن النزوح المكتظة، الأطفال يخشون النوم بسبب أصوات القصف المفجعة.
«لا نعرف طعماً للنوم»، هكذا قالت مهدية الجاروشة، التى تبلغ من العمر 63 عاماً، حيث كتبت عليها حياة الهجرة والنزوح مرة أخرى، «نكبة جديدة نعيشها كما عاشها آباؤنا وأجدادنا على يد الاحتلال الذى لا يعرف الرحمة»، وأضافت السيدة الفلسطينية قائلةً: «الاحتلال شردنا فى حرب النكبة عام 1948، وفى حرب النكسة عام 1967، واليوم فى 2023 و2024 ما زلنا مشردين»، وتعانى «مهدية» صعوبات ومشقات كثيرة للتأقلم مع الوضع الجديد، فهى لا تعرف طعماً للنوم، ينتابها قلق واضطراب وخوف ورعب مستمر، كغيرها من آلاف النازحين تخشى قدوم الليل، حيث يتزايد قصف الاحتلال الوحشى، الذى لا يترك لا بيتاً ولا خيمة، واختتمت حديثها بقولها: «أطفالنا يخشون النوم بسبب أصوات القصف المخيفة»، كما أكدت أن الحياة فى أماكن النازحين لا تليق بالبشر وغير قابلة للمعيشة، حيث يعيش أكثر من 40 شخصاً فى الخيمة الواحدة، رغم أنها مصممة لاستيعاب 5 أشخاص كحد أقصى، وأضافت أن كل هذا العدد من النازحين يعيشون وسط بيئة ملوثة، وتفشى العديد من الأمراض والأوبئة بين الكبار والصغار.
وقالت «رنا أبوكرنوب»، بينما كانت تنظر لطفلتيها بكل حزن وأسى، بسبب انتشار الحبوب الكبيرة فى جسديهما والتى صنفت بأنها «جدرى مائى»: «أطفالنا يعانون من أمراض جلدية حادة»، ونزحت «أبو كرنوب» من منزلها فى بيت لاهيا، جراء قصف الاحتلال الإسرائيلى إلى مخيم جباليا، لتقيم مع أسرتها داخل مدرسة «أبوحسين» شمال قطاع غزة.
وقالت «رنا»، الأم لطفلتين مصابتين بـ«الجدرى المائى»، إن سبب هذا المرض هو النزوح إلى المدرسة، ولكن لم يكن أمامهم بديل آخر، وأكدت أن زيادة الأمراض بسبب انتشار مياه الصرف الصحى والنفايات والحشرات والبعوض، وعدم توافر أبسط الاحتياجات الأساسية كالغذاء والماء، وأكدت أن زيادة الأمراض بكثرة خلال الفترة الأخيرة أدت إلى تدهور حالتهم الصحية بشكل ملحوظ، وفى نفس الوقت لا يوجد علاج للأطفال، واختتمت بقولها: «حتى لا يوجد مكان نظيف نجلس فيه».