«حديث الفلاسفة».. شيء يدعو للدهشة!!
من الآخر: أخرج عدد كبير من الفلسطينيين أنفسهم من المعادلة، أخرجوا أنفسهم طواعية من المعادلة، اعتبروا أنفسهم إما «خبراء استراتيجيين» أو «مفكرين سياسيين» أو «نشطاء فى حقوق الإنسان» أو «باحثين مهتمين بقضايا الشرق الأوسط».. يا الله.
لكن يبقى السؤال: ما هى «المعادلة» التى خرج منها هؤلاء الفلسطينيون الذين يعتبرون أنفسهم «مثقفين وذوى حظوة وأهمية وتأثير»، وبالطبع هم ليسوا كذلك؟.. المعادلة هى: اعتبار أنفسهم محايدين خلال مناقشتهم للأحداث فى قطاع غزة، اعتبار أنفسهم يتحدثون بلسان شخصيات لا هوى لها ولا انتماء فلسطينى لها ولا جنسية فلسطينية يحملونها، يظلون يتحدثون بكلام أجوف لا طائل منه، يظلون يُحللون الموقف بلا أدنى انتقاد للعبث الإسرائيلى، يتحدثون وكأنهم من كوكب آخر ولا يدرون حقيقة الوضع المأساوى فى قطاع غزة، تحليل فى تحليل لمواقف وتصريحات قادة إسرائيل فقط، لم أجد منهم إدانة واضحة للاعتداءات الإسرائيلية على أشقائنا فى قطاع غزة، لم أجد أحداً -من هؤلاء المثقفين الفلسطينيين- دمه حامى وهو يدافع عن قضيته، بل أجد أشخاصاً أشبه بالإنسان الآلى كل همهم تحليل المفاوضات الجارية بين إسرائيل وحماس، والكُفء منهم أجده يجتهد فى الحديث عن تاريخ المفاوضات ويتحدث عن اتفاقية أوسلو واتفاق «غزة - أريحا».
لم أجد أحداً منهم يقول لإسرائيل: اخرجوا من أراضينا فأنتم مُحتلون مغتصبون لأرضنا وأرض آبائنا وأجدادنا، لم أجد أحداً منهم يقول: إسرائيل عدو.. وللأمانة، لم أجد أحداً منهم يقول: نطالب بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على أراضى ما قبل «5 يونيو 1967».. بل أجدهم يتحدثون «حديث الفلاسفة»، لف ودوران، عدم الدخول فى صُلب الموضوع، الحديث عن اتفاق وقف إطلاق النار ينتقدونه بشدة، الحديث عن تحقيق أى فائدة للقضية الفلسطينية لا يسلم من ألسنتهم ويُهيلون عليه التراب، أى جهد يقوم به أى طرف عربى لخدمة القضية الفلسطينية مرفوض بالنسبة لهم ويظلون يتحججون ويتحذلقون ويتفذلكون وينتقدون طول الوقت.. تحقيق أى شىء إيجابى للقضية الفلسطينية لا يُرضيهم، وجود مؤشرات تُبشر بالخير للشعب الفلسطينى لا يقبلونها.
بصراحة، شاهدت أحدهم فى إحدى القنوات الفضائية يُعلى صوته ويشب ويتشدد وهو يُقطع «الأمم المتحدة» ويقول: عليها القيام بمسئولياتها تجاه حماية أهالى قطاع غزة والضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات.. ونسى أن الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيرش» يقود حملة جادة للضغط على إسرائيل لوقف عملياتها العسكرية، يبدو أنه لا يتابع الموقف جيداً ولم يرَ زيارة «جوتيرش» لـ«معبر رفح» من الجانب المصرى والتصريح أمام وسائل الإعلام العالمية بأن «غزة» مُقدِمة على مجاعة حقيقية، ومعاناة الأطفال والسيدات والعجائز وصلت إلى أقصى مدى فلا يوجد لا دواء ولا كساء ولا وقود ولا كهرباء ولا اتصالات ولا إنترنت ولا غذاء ولا لبن أطفال ولا بطاطين ولا دقيق، وغابت كل مُقومات الحياة ولا يوجد مكان آمن فى قطاع غزة، والحملة الإسرائيلية الممنهجة على «منظمة الأونروا» حملة مُغرضة ومرفوضة هدفها تدمير الجهات التى تقدم مساعدات إنسانية عاجلة للفلسطينيين، وأن تعرُّض مقرات المنظمات الدولية للقصف الإسرائيلى ضد المواثيق الدولية وخارج عن الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى.
أنا هنا أتحدث فقط عن مثقفى وسياسيى فلسطين الذين حصلوا على جنسيات أخرى ويقيمون فى لندن وأمريكا، وهم «عزمى بشارة وعزام التميمى وعبدالبارى عطوان ووضاح خنفر ونهاد عوض»، وكل من هو على شاكلتهم.. أما الأشقاء المناضلون الحقيقيون السياسيون الفلسطينيون الذين يدافعون باستماتة عن قضيتهم المشروعة فلهم كل الاحترام والتقدير ونشُد على أياديهم ونُشجعهم ونتضامن معهم حتى يتحقق النصر المبين بخروج المحتل وإقامة دولة فلسطينية وعودة الحق الفلسطينى كاملاً.