سعيد حجازي يكتب: دار الإفتاء.. المدافعون عن الدين والإنسانية
حظيت مصر بمؤسسات دينية رشيدة قادرة على التعامل مع مستجدات العصر بمخرجات وسطية سمحة، وفي القلب منها دار الإفتاء المصرية، التي تبذل الجهود نحو نشر خطاب تنويري، قائم على القيم الفاضلة التي حث عليها الإسلام ورسولنا الكريم لبناء مجتمع رشيد، مستهدفاته العمل والبناء والإتقان.
ومنذ نهاية 2014 كانت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني، تلك الدعوة التي حملتها القيادة السياسية على عاتقها لضبط الخطاب الديني، ورفع القداسة عن الفكر البشري الناتج عن قراءة النص المقدس، فلا تكون مكانته مكانة الثابت من كتاب الله وسنة رسوله الكريم، كذلك مراعاة مقتضيات الزمن والأحوال في حديثه.
لم تتكاسل دار الإفتاء عن تلبية تلك الدعوة المباركة، فكانت في مقدمة الركب، نحو تطبيق حقيقي للخطاب الديني المعتدل الذي يدعو للوسطية، فكانت دعوة لأصحاب العقول في مدى فهمهم لكتاب الله وسنة نبيه، واستمساكهم بشرع الله وترتيب الأولويات مما يجب عليهم فعله.
عملت الدار على إظهار محاسن الرسالة المحمدية السماوية، وإيصالها إلى الناس بالموعظة الحسنة، خطاب ديني مرجعيته القرآن الکريم وصحيح السنة النبوية المطهرة، فلا مکان فيه للغلو، ولا للتفريط، ليكون معبرًا عن الأمة الاسلامية.
وتعد الدار من الرواد في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة فعالة للتواصل مع الجمهور، وهي أول مؤسسة دينية تستخدم «السوشيال ميديا»، ولها شعبية كبيرة وتخطى عدد المتابعين لها على كل المنصات ما يزيد على 17 مليون متابع، وبهذا تعتبر الدار هي الأولى عالميا في المؤسسات من حيث عدد المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تمكنت من بناء وجود قوي ومؤثر على منصات متعددة مثل فيسبوك، إكس، وإنستجرام، بالإضافة إلى قناتها على يوتيوب.
تستخدم دار الإفتاء هذه القنوات بشكل متقن لتوعية الناس بالشؤون الدينية والفقهية، وتقديم الإجابات على استفساراتهم الدينية بشكل سريع وموثوق، ما يعزز مكانتها كمرجعية دينية موثوقة في مصر والعالم العربي.
وبفضل هذا النهج الحديث والمتطور، تحقق دار الإفتاء المصرية مكانة رائدة كمؤسسة دينية مبتكرة ورائدة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على مستوى العالم العربي.
ومواكبة للعصر، لم تترك فرصة لدعاوي الإرهابيين الزائفة ليس في مصر وحدها، بل حول العالم، ودشنت الدار في أغسطس 2015 الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم لجمع جهود العلماء والأئمة حول العالم في هذه المعركة الفكرية والحضارية.
وعملت تلك الأمانة على مدار 9 سنوات بقيادة فضيلة العلامة الدكتور شوقي علام وأمانة فضيلة الدكتور إبراهيم نجم على إعادة قراءة تراثنا الفكري قراءة واقعية مستنيرة تتلاءم مع طبيعة العصر ومستجداته، قراءة تنقذ العقول من حيرتها وتنبه النفوس من غفلتها وتنشر المفاهيم السمحة الوسطية.
وفي ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم، خاصة ما يتعلق بدور الفتوى الرشيدة في المجتمع، تحشد دار الإفتاء بالتعاون مع الإمانة العامة المؤتمر العالمي التاسع نهاية الشهر الجاري، بحضور كبار المفتين والوزراء والعلماء من أكثر من مائة دولة حول العالم ومشاركة أممية عالية المستوى من عدد من الهيئات الدولية؛ وذلك لمناقشة موضوع «الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع».
تسعي الأمانة لمناقشة دور الفتوى في تعزيز الأخلاق والقيم الإنسانية، وتعزيز التعاون بين مؤسسات الفتوى والمنظمات الدولية والإقليمية ومحاولة الخروج بتوصيات عملية لتعزيز البناء الأخلاقي في المجتمعات، كذلك سيشهد الإعلان عن عدد من المشروعات الرائدة والمبادرات المهمة، ومناقشة أهم الدراسات التي قام بها المؤشر العالمي للفتوى، ومركز سلام لدراسات التطرف ومواجهة الإسلاموفوبيا وأهم مخرجاته، وإصدارات مجالات «جسور» و«دعم» ومجلة الأمانة، وغيرها من المشروعات المهمة.
كل الدعم لجهود دار الإفتاء المصرية لنشر وسطية الدين وضبط الفتوى، فقد كانت الدار ولا تزال تعمل على التجديد باعتباره فريضة حتمية يوجبها الدين وضرورة يحتمها العصر، فباب الاجتهاد فتحه لنا رسول الله، لفهم الشرع فهما صحيحا، وأرى أن عصرنا أولى العصور بتجديد الاجتهاد فيه، فنحن بحاجة لتلك الفريضة لمواجهة دعاوى التطرف، ووقف كل من «هب ودب» عن أن يفتي الناس بما يشاء وكيفما يشاء.