الدكتور رضا فرحات يكتب: إرادة الشعب في مواجهة الظلام

كتب: الوطن

الدكتور رضا فرحات يكتب: إرادة الشعب في مواجهة الظلام

الدكتور رضا فرحات يكتب: إرادة الشعب في مواجهة الظلام

*لم تكن ثورة 30 يونيو مجرد حدث عابر أو حراك سياسى، بل كانت نقطة انطلاق نحو مستقبل أفضل للوطن، ونبراساً أضاء طريق المصريين نحو مستقبلهم بعد خروج الملايين من منازلهم إلى الشوارع، وانفجرت ميادين مصر بصوت الشعب الذى قرّر أن يكتب فصلاً جديداً فى تاريخ بلاده، معلناً نهاية حكم الإخوان المسلمين وبداية حقبة جديدة من الأمل؛ لتكتب صفحة جديدة فى التاريخ المصرى بحروف من نور، وتصبح مصر مسرحاً لواحدة من أضخم الثورات الشعبية فى العصر الحديث.

ثورة 30 يونيو كانت صرخة شعب أنهكه الانتظار وخيبة الوعود التى كان يتشدّق بها أنصار التيار الإسلامى الذى كان يحكم مصر آنذاك، وأعلن تحديه للخوف من المجهول، رافعاً علم بلده وأحلامه فى مستقبل أفضل، وكان كل مصرى يرى فى الآخر شريكه فى الحلم، ورفيقه فى النضال.

ومن ميدان التحرير إلى الاتحادية، ومن شوارع القاهرة إلى شوارع المدن الصغيرة، كانت الروح واحدة والهتاف واحداً: «الشعب يريد إسقاط النظام» وكان النداء يحمل فى طياته تاريخاً طويلاً من الصبر والمعاناة، والأمل والعزيمة، وأطلقت هذه الروح العنان لتغيير مسار تاريخ المصريين ورغبتهم فى العيش بكرامة وحرية حتى جاءت لحظة الحسم فى الثالث من يوليو، وهو اليوم الذى انتصرت فيه إرادة الشعب بعزل الخائن محمد مرسى وجماعته، وعمّت الفرحة جميع أنحاء الوطن، وعلى النقيض كان المشهد فى ميدانى رابعة العدوية والنهضة، مقر اعتصام جماعة الإخوان وأتباعها المسلحين، الذين وقع عليهم البيان كالصاعقة، ورفضوا الاعتراف بثورة 30 يونيو، ومنذ ذلك الحين بدأ مسلسل الدم والإرهاب على يد جماعة الإخوان الإرهابية وأتباعها، وكان على المصريين أن يواجهوا قوى الظلام والإرهاب التى حاولت أن تُعكر صفو انتصارهم، ولكن كما كانت إرادتهم قادرة على إسقاط نظام التيار الإسلامى كانت أيضاً قادرة على بناء الوطن.

الإحباط السياسى كان أحد أبرز العوامل التى فجّرت ثورة 30 يونيو، لأنه بعد ثورة 25 يناير 2011، كانت لدى المصريين تطلعات كبيرة نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لكن مدة حكم مرسى اتسمت بخيبة أمل كبيرة لدى قطاعات واسعة من الشعب، بسبب سياسات جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى تدهور اقتصاد البلاد وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وانخفاض قيمة الجنيه المصرى وكل هذه العوامل الاقتصادية زادت من حالة السخط العام وأثّرت بشكل كبير على حياة المواطنين اليومية، كما تعرّضت البلاد لموجة من التوترات الطائفية خلال مدة حكم الإخوان، وزادت حوادث العنف ضد الأقباط ومظاهر التمييز الدينى، مما أثار القلق والخوف بين مكونات المجتمع المصرى، بالإضافة إلى التجاوزات الدستورية والسياسية بعد إعلان مرسى إصدار إعلان دستورى فى نوفمبر 2012 منح نفسه بموجبه صلاحيات واسعة، متجاوزاً السلطات، ومهمّشاً للقوى السياسية الأخرى.

استعادة التوازن بعد ثورة 30 يونيو لم تكن مقتصرة على الجانب الاقتصادى فقط، بل شملت أيضاً الجوانب الاجتماعية والسياسية وتمت إعادة صياغة الدستور لضمان حقوق المواطنين وحرياتهم، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية شفافة أعادت الثقة فى العملية الديمقراطية، كما تم تعزيز دور المؤسسات الأمنية فى مواجهة الإرهاب والتطرّف، مما أسهم فى تحقيق الاستقرار وكان للشباب دور محورى فى ثورة 30 يونيو، وكانوا دائماً قلب الثورة وروحها من خلال مشاركتهم الفعالة وتطلعاتهم نحو مستقبل أفضل، وهو ما شكل دافعاً قوياً لتحقيق التغيير وتم فتح المجال أمام الشباب للمشاركة فى الحياة السياسية والاجتماعية، وتقديم رؤى جديدة تسهم فى بناء الجمهورية الجديدة.

إن أهم ما يميز ثورة 30 يونيو ليس فقط قدرتها على إحداث تغيير سياسى فقط، بل قدرتها على بث الروح فى نفوس المصريين وكانت تلك الأيام بمكانة درس للجميع بأن الشعب إذا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، وشكّلت إرادة المصريين قوة حقيقية قادرة على صنع المستحيل، وبالفعل بدأت مصر بعد ثورة 30 يونيو مرحلة جديدة من البناء والتنمية، وعملت الحكومة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة، شملت تحرير سعر الصرف، وإعادة هيكلة الدعم، وتشجيع الاستثمار، وهذه الإجراءات، رغم صعوبتها، كانت ضرورية لوضع الاقتصاد المصرى على الطريق الصحيح.

* محافظ الإسكندرية الأسبق وأستاذ العلوم السياسية


مواضيع متعلقة