ومن هو «ولى أمر» الدواعش يا مولانا؟
أستكمل ما بدأته فى مقالى السابق حول محاولات دحض وإجهاض كل التيارات والحركات الفكرية النقدية، وتقويض وإفشال كافة الجهود التنويرية، وقمع أصحاب الاجتهادات والمشروعات الإصلاحية التى تعلى قيمة العقل وتمنحه الأولوية فى القضايا الدينية والدنيوية، وتتصدى للتخلف والجمود وتحارب الأسطورة والخرافة، ونزيف الوعى الذى ما زال مستمراً فى مجتمعاتنا الإسلامية بنجاح منقطع النظير!!
ولا يخفى على القاصى والدانى ما واجهه أصحاب المنهج العقلى من قتل وملاحقة وتعذيب، وما أصاب مشروعاتهم من حرق ومطاردة وتدمير، وما لحق بهم من اتهامات بالكفر والإلحاد والزندقة على أيدى أنصار المذهب التكفيرى اللاعقلانى، والمتشددون الذين يقاومون الاختلاف ولا يؤمنون بالنزعة التحررية، وبحق الإنسان فى الحياة وحريته فى الاختيار، كما لا يغيب عن الجميع انعكاس ذلك الفكر التكفيرى الجبرى المتخلف على ثقافة الأمة العربية والإسلامية، وعلى ما يحدث من قتل وذبح وانتهاك للأموال والأعراض والأوطان باسم الإسلام، وتحت شعار الجهاد فى سبيل الله!!
وهنا أتوقف أمام حديث فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف عن الجهاد فى سبيل الله، واعتبار مسئولية إعلان الجهاد وترتيباته أمراً يخص «ولى الأمر» ومن ينيبه، وأن ذلك بمصطلحاتنا الحديثة يعنى أنه حق الحاكم على وزارة الدفاع!! ولا شك أن تلك القراءة التأويلية والتلوينية للحاضر فى الماضى، وهذا البحث لأزمات العصر فى الجذور التاريخية، وإسقاط التراث القديم على الواقع، يجعلنا ننازل الدواعش والجماعات المتطرفة الأخرى على أرضهم وبآلياتهم الأيديولوجية، وطرقهم وأساليبهم فى قراءة وتأويل النصوص الدينية، كما أن حركة الوثب بين الماضى والحاضر، واعتبار الماضى هو الأصل والحاضر فرعاً، وجعل التراث نقطة البداية والنهاية ومستودع الحلول، يعد بمثابة إهدار للدلالات التاريخية للنصوص، ويفتح الباب أمام تفسيرات وتأويلات ومفاهيم الشيوخ وعلماء الدين المعاصرين المتعلقة بقضية من هو «ولى الأمر» الذى يستوجب على المسلمين طاعته؟! وما أكثر تلك التفسيرات والآراء واختلافها وخطورتها على مجتمعاتنا العربية!!
إن جانباً كبيراً من شيوخنا الكرام يا فضيلة الإمام يرى أن «ولى الأمر» الذى يجب طاعته هو الذى يتولى أمر دين المسلمين، أما الذى يتولى أمراً آخر كالذى يحكم بالنظام الدستورى العلمانى أياً كان، أو بالنظام الديمقراطى الليبرالى الغربى أو الفكر القومى الاشتراكى، أو غير ذلك مما هو غير النظام الإسلامى المحتكم إلى شريعة الله تعالى، فهو ولى أمر ما تولاه، وليس هو ولى أمر المسلمين!! ويستند هؤلاء إلى أن النصوص الآمرة بطاعة ولاة الأمر وردت بقيد إقامة الدين كما فى حديث مسلم «إن أمر عليكم عبد مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا»، وكذلك حديث البخارى: «إن هذا الأمر فى قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله فى النار على وجهه، ما أقاموا الدين».
وهناك جانب آخر يرى ضرورة طاعة الإمام حتى لو خرج على شروط البيعة أو استولى على السلطة بالقوة والقهر والظلم والعدوان، ويستند إلى حديث حذيفة بن اليمان: «قلت: يا رسول الله إن كنا بشر فجاء الله بخير، فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: نعم، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم، قلت: كيف؟ قال صلوات الله عليه وسلم يكون بعدى أئمة لا يهتدون بهداى ولا يستنّون بسنتى، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين فى جثمان إنس، قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع».
إن محاربة الأفكار المتطرفة والمتشددة والتصدى للإرهاب الدينى وفتاوى التكفير والإلحاد لن يتأتى عبر قصر إعلان الجهاد وحمل السلاح على أولى الأمر، كما أن تجديد الخطاب الدينى، لن يتأتى بإعادة قراءة النصوص، وبالتأويل والتأويل المضاد للتراث، ولا بتبادل الاتهامات بالفشل والتقصير، بين الشيوخ والدعاة من جانب وبين وزارة الأوقاف والأزهر من الجانب الآخر.
وللحديث بقية..