الولع بالشريعة وجسد الراقصة دينا
هل هى صدفة أن يتزامن نجاح فيلم «عبده موتة» الاستثنائى مع الدعوة لمليونية الشريعة، مثلما تواكب نجاح مماثل للراقصة دينا وسعد الصغير فى فيلم «شارع الهرم» مع ما عرف «بجمعة قندهار»؟
كان كثيرون من أصحاب دور العرض السينمائى يتوقعون نجاح «عبده موتة»، وإن لم تصل درجات التفاؤل إلى حدود العشرة ملايين جنيه، مجمل إيراداته الحالية، فخلطة العنف السينمائى والغناء الشعبى والرقص الساخن متوافرة، وتم تجربتها من قبل وعادت على صناعها بالملايين فى فيلم آخر أعقب الثورة وحقق إيرادات قياسية.
يقودنا إلى الربط بين الإقبال على مشاهدة جسد دينا الراقص والدعوة لمليونية الشريعة، موقف وكتاب، فأما الموقف فهو حوار دار بين ناقد سينمائى شهير وأصحاب إحدى دور العرض الفخمة، حول عدم عرضهم لفيلم عبده موتة رغم نجاحه المتوقع، كانت حجة أصحاب دار العرض -بحسب ما قال لى- إنهم كانوا يدركون نجاح الفيلم لكن طبيعة الجمهور المنتظرة لا تتواءم مع ذوق سينماهم وتقاليدها. فربما يأتى المكسب مصحوباً بخسائر موازية فى المقاعد والأثاث، ومعها السمعة كسينما «كلاس»، إذا حضر الجمهور «البيئة»، المشبع بالفقر والقهر.
وأما الكتاب فهو «التخلف الاجتماعى: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور» للباحث الثاقب الدكتور مصطفى حجازى، فبين سطوره رصد لملامح نفسية عديدة للمقهورين، من بينها التمسك بالتقاليد والأعراف على حساب التفكير النقدى المتطلع للمستقبل، وفى الشق الدينى تتعزز النظرة للماضى بتفسيرات لنصوص تهدد المتمرد فى صحة دينه، والنظر للماضى باعتباره حلاً جذرياً لمشكلات الحاضر ومحط الأمجاد الكبرى، إضافة إلى الدعوة للذوبان فى الجماعة والسلوك الاتكالى تجاه الزعيم المنقذ.
وفى مليونية الشريعة انعكاس لما رصده حجازى لسيكولوجية المقهورين، فأفرادها فى أغلبهم ينتمون لجماعات لها اليد العليا عليهم، تنظر للماضى باعتباره جنة مفقودة، يرون فى الشيوخ مخلصين جدداً من انحطاط حالى.
وإذا سألتهم عن ماهية الشريعة، وتعريفها الجامع المانع الموحد الذى يرفضه خصومهم المتوهمون، لن تسمع إجابة.
هى فقط ما يفسره الشيوخ لهم ويكتسب قدسية على حساب رحابة الدين ونصوصه حمّالة الأوجه.
وفى عرف المقهورين من جمهور دينا الكادح، المرأة هى وعاء جنسى، وجسد مشتهى وجلب للعار، بحاجة إلى سترة، هى المذنبة لأنها استسلمت للتحرش اللفظى، كائن تقتصر مهمته على إعانة قرينها الرجل الكادح على أعباء الحياة، وتعزز قواه وفحولته.. ذهب المقهورون للسينما يتلقون جرعة فحولة افتراضية من جسد مغاير لم يتذوق قهرهم.
ضع ملايين عبده موتة بجانب رقص دينا، مع مليونيات الشريعة، ستجد خيطاً طويلاً، يكشف أن كثيرين فى مصر لا يزالون عرضة للقهر ويغوصون فى التخلف.