ضمور معسكر السلام في إسرائيل (4)
لم يعد "معسكر السلام في إسرائيل"، يملك أية تأثير يذكر في السياسة الإسرائيلية الحالية، وتمكن المتطرفون من تشويه رموزه، ودفع المجتمع لكراهيتهم وما يطرحونه، وكثيرًا ما تعرضوا للضرب والإهانة عند مشاركاتهم في التظاهرات السلمية الرافضة للاستيطان، وبلغت ذروة مواجهتهم خلال تظاهراتهم ضد جدار الفصل العنصري، وتعرضوا خلالها للضرب بالهراوات و الرصاص المطاطي، وتم اعتقال الكثيرين من بينهم.
ويبقى التطور الأكثر خطورة في مسيرة هذا المعسكر، الذي ظل متمسكًا بالبقاء على قيد الحياة السياسية ، حتي مساء السادس من أكتوبر الماضي (2023)، وفي صباح اليوم التالي مباشرة (7 أكتوبر)، قامت حركة حماس بعملية "طوفان الأقصى"، ومعها انضم ما تبقى من "معسكر السلام" إلى الإجماع "الوطني" داخل إسرائيل الذي يتطلع للانتقام ، ليس من " حماس " فقط ، و إنما من عموم الشعب الفلسطيني.
ويأتي استمرار الدعم "الشعبي" لحكومة "نتانياهو" المتطرّفة، رغم الانتقادات الموجهة لها من العالم كلّه تقريبًا ، ليؤكد واقع نجاح اليمين الصهيوني في ثوبه الجديد، على اختلاف ألوانه السياسية ، وتأويلاته الدينية المتشددة ، كما يؤكد هيمنته غير المسبوقة على الحياة العامة، وليست السياسية فقط - داخل الكيان الإسرائيلي المحتل.
وعلى الرغم من غلبة القراءات لموقف "نتانياهو" المتمسك باستمرار الحرب الوحشية المفتوحة على قطاع غزة ، باعتباره ضرورة حتمية لحماية مستقبله السياسي، خاصة مع تعدد الاستطلاعات التي تتنبأ له ولمعسكر اليمين بهزيمة مدوية، حال الذهاب إلى انتخابات مبكرة خلال العام الجاري (2024) بعد انتهاء الحرب، إلا أن القراءة الأعمق لهذا الموقف، لا يجب أن يغيب عنها توافقه اللافت، مع شركائه اليمينيين في الائتلاف الحكومي، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش رئيس حزب الصهيونية الدينية الذي يرفض تحويل أموال المقاصة إلى السلطة الفلسطينية، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير رئيس حزب القوة اليهودية، صاحب الخط السياسي الصريح في معاداة العرب، و"بيني جانتس" عضو مجلس الحرب المصغر، الذي يهدد دائمًا بالانسحاب من الحكومة إذا قررت إيقاف الحرب قبل إنجاز أهدافها كاملة، أو إطلاق سراح أسرى فلسطينيين خطرين، ضمن أي صفقة تبادل لاستعادة المحتجزين الإسرائيليين لدى "حماس"، والذي تباهى في تسجيلات مصورة بعدد القتلى الفلسطينيين والأهداف التي تم تدميرها تحت قيادته في قطاع غزة ، الذي قال عنه إنه "أعيد إلى العصر الحجري".
و حسبما يرى المراقبون، فإن حماس قدمت بعملية السابع من اكتوبر الهدية الأكبر، لليمين الإسرائيلي المتطرف الرافض لإنهاء الاحتلال، أو الدخول في أي مفاوضات سلمية حول حل الدولتين، وإنهاء الصراع، وهو الأمر الذي سيمتد لسنوات قادمة، ما لم تحدث تطورات دولية حاسمة تدفع في اتجاه مغاير لسيطرة اليمين الإسرائيلي المتطرف، في تشبثه ببقاء الأوضاع كما هي الآن، رغم "إرادة معسكر السلام" الذي أصابه الضمور، وأصبح غير قادر تنظيميًا وفكريًا على مواجهته، ويكتفي بجلد نفسه تحسرًا على مجده الزائل.