ضمور معسكر السلام في إسرائيل (2)
مصطلح «معسكر السلام الإسرائيلى» تم إطلاقه على مجموعة القوى السياسية والأهلية، والشخصيات التى تتبنى الفكرة القائمة على ضرورة الوصول إلى «حل سلمى» لإنهاء الصراع القائم مع العرب، ومن بينهم -بطبيعة الحال- الفلسطينيون.
وكثيراً ما دعت هذه القوى علانية، إلى حل الدولتين، والاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته، التزاماً بقرارات الشرعية الدولية، وتأييد «اتفاقية أوسلو» التى تم توقيعها عام (1993) كأول اتفاقية مباشرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتم تمريرها فى الكنيست الإسرائيلى بصعوبة بعد نقاشات استمرت على مدى يومين متتالين، انتهت بموافقة (61 عضواً) مقابل رفض (50)، وامتناع (8) عن التصويت.
وتميز «معسكر السلام الإسرائيلى» دائماً برفضه سياسة الاستيطان التى يراها العقبة الرئيسية أمام الوصول لأية تسوية.
وكانت حركة «السلام الآن» من بين أبرز القوى داخل هذا المعسكر، وتأسست الحركة فى أعقاب غزو إسرائيل لجنوب لبنان فيما سمى بـ«عملية الليطانى» عام 1978، ونشطت العقدين الأخيرين من القرن الماضى، وكانت من أهم المؤيدين لـ«إعلان كوبنهاجن» و«التحالف الدولى من أجل السلام».
ورغم محاولاتها لاستعادة نفوذها وتأثيرها على الداخل الإسرائيلى، فى سياق العدوان الهمجى على غزة مؤخراً، إلا أن صوتها لم يعد مسموعاً كما كان من قبل، ورداً على تلك المحاولات، قرر اليمينى المتطرف «إيتمار بن غفير» وزير الأمن القومى، فى أبريل الماضى، تشكيل وحدة أمنية خاصة، لملاحقة ناشطيها فى الضفة الغربية.
وتنشط جمعية «بتسليم» بشكل محدود، لكنه أكثر أهمية، بعد رفضها المعلن عبر عدة بيانات للحرب الدائرة الآن، كما نشرت قبل عدة سنوات تقريراً ينتقد تطبيق إسرائيل نظام الفصل العنصرى (الأبارتايد)، فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.
وتراجعت أيضاً شعبية الأحزاب المؤيدة لـ«التسوية» وعلى رأسها حزب العمل الذى كان يكتسب أهميته كونه الحزب المؤسّس للكيان الصهيونى فى فلسطين، وشكل الحكومة خلال ثلاثة عقود متتالية منذ إعلان الدولة عام (1948) حتى عام (1977)، وتبادل السلطة لسنوات طويلة مع حزب الليكود، إلى أن تشاركا معاً فى حكومة ائتلاف «الوحدة الوطنية» برئاسة «آرييل شارون» عام (2001).
وحسبما يرى المراقبون، فإن حزب العمل يتعرض للإذلال منذ أكثر من عشرين عاماً، بدليل حصوله فى الانتخابات الأخيرة عام (2022) على أربعة مقاعد فقط داخل الكنيست، ويشغلها نواب مغمورون، وغير مؤثرين تماماً.
وأسفرت تلك الانتخابات أيضاً عن خسارة فادحة لحزب «ميرتس» الذى لم يفز بأى مقاعد، واختفى تمثيله تماماً داخل الكنيست.
ويقابل هذا التراجع الملحوظ لـ«معسكر السلام الإسرائيلى»، صعود قوى اليمين المتطرف، وهو ما لا يمكن نسبته للعوامل السياسية فقط، لكنه محمل بأسباب اجتماعية وديموجرافية لا يمكن إغفالها.. وللحديث بقية.