عاد كابوس الانهيار المروع الذى يحسب له اليهود ألف حساب على مدار تاريخهم إلى بؤرة الأحداث من جديد مع صمود المقاومة الفلسطينية فى حربها ضد إسرائيل لأكثر من 8 شهور ونجاحها فى توجيه ضربات مؤلمة للدولة العبرية، لأن لعنة العقد الثامن الخاصة بنبوءات نهاية إسرائيل يتفق عليها معظم مؤرخى الوجود اليهودى فى فلسطين، فالحرب الحالية هى أطول حرب تخوضها إسرائيل بعد أن فُرضت عليها وتفاجأت بها ولم تكن هى صاحبة الطلقة الأولى فيها ولم تختر توقيتها ولا ميدانها، بل فُرضت عليها. ومع طول نفس المقاومة وصمودها تتزايد حالة الرعب داخل إسرائيل من كابوس لعنة العقد الثامن، ويتوغل هوس نهاية الدولة العبرية.
تاريخياً أقام اليهود كيانين سياسيين فى فلسطين، وكلاهما تهاوى وسقط فى العقد الثامن من عمره، وحتى التيار العلمانى واللادينى فى إسرائيل يتملكه الهوس من فكرة بقاء إسرائيل واستمرارها، مستنداً إلى الوقائع التاريخية لليهود، وهذان الكيانان هما مملكة داود عام 1000 ق.م واستمرت أقل من 80 سنة، ومع بداية العقد الثامن من حياتها انقسمت إلى مملكة إسرائيل فى الشمال وعاصمتها نابلس، ومملكة يهودا فى الجنوب وعاصمتها القدس، والمملكتان سقطتا على يد الآشوريين ثم البابليين، وكانت هناك مملكة الحشمونائيم عام 140 ق.م خلال الحكم اليونانى لفلسطين ودخلت فى العقد الثامن من عمرها مرحلة الفوضى وسقطت، ولم يقم لليهود أى كيان فى فلسطين حتى قيام إسرائيل عام 1948.
ومما يعظم تخوف الساسة والمفكرين الإسرائيليين من أن تلحق بإسرائيل هذه «اللعنة» أن شكل سقوط هذين الكيانين كان مرتبطاً بالدرجة الأولى بالتفسخ والانقسام المجتمعى، وهو ما تشهده إسرائيل منذ 4 سنوات، فالدولة تمر بانقسام اجتماعى حاد، يتعمق مع تطورات «الانقلاب القضائى» على يد حكومة نتنياهو قبل معركة «طوفان الأقصى» التى زادت من حالة الانقسام والتراشق والرعب داخل المجتمع الإسرائيلى، واشتعلت المظاهرات فى الشوارع للاحتجاج على فشل حكومة نتنياهو فى إدارة المعركة، والتعامل مع ملف الأسرى والمحتجزين فى غزة.
ولم يمنع غبار المعركة من استمرار وزيادة تداول اللعنة على الملأ فى وسائل الإعلام الإسرائيلية، فرئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك يُذكِّر بهذه اللعنة من حين لآخر، وبعض المواقع وصفحات وسائل التواصل الاجتماعى الإسرائيلية تتناول القضية بمزيد من الخوف والشك فى نتائج الحرب التى فاجأت إسرائيل وجعلتها لأول مرة فى موقع متلقى الضربة الأولى، لا من يختار ميدان المعركة ولا حتى من يديرها ويحدد نهايتها.
«لعنة العقد الثامن» كفيلة بقلب كل المعادلات على الأرض وإحداث تأثير كبير على الروح المعنوية للطرفين الإسرائيلى والفلسطينى، فالشيخ أحمد ياسين نفسه قال خلال لقاء له فى برنامج «شاهد على العصر» بقناة الجزيرة قبل اغتياله إنه يرى من خلال الاستشفافات التاريخية والقرآنية أن إسرائيل لن ترى السنة الثمانين من عمرها وستنتهى فى 2027، وجاء من بعده إيهود باراك وبنيامين نتنياهو ونفتالى بينيت ليُبدوا مخاوفهم من حلول اللعنة.
المؤرخ الإسرائيلى إيلان بابيه يرى أن الدولة العبرية تعيش مرحلة بداية نهاية المشروع الصهيونى، وهناك 5 مؤشرات على ذلك؛ الأول هو الحرب اليهودية الأهلية قبل 7 أكتوبر بين المعسكر العلمانى والمعسكر المتدين، والثانى الدعم غير المسبوق للقضية الفلسطينية فى العالم، والثالث العامل الاقتصادى ووجود فجوة بين من يملك ومن لا يملك، والرابع عدم قدرة الجيش على حماية المجتمع اليهودى، والخامس موقف الجيل الجديد من اليهود من الأحداث.
ويرى وزير الحرب الإسرائيلى الحالى بينى جانتس أن هناك مخاوف من سيطرة الفلسطينيين على إسرائيل مستقبلاً، متوقعاً أن تتقلص دولة إسرائيل بين مستوطنتى غديرا والخضيرة، فيما أعرب يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز الشاباك، عن قلقه إزاء التهديد الداخلى الذى يشكل أزمة للهوية والديمقراطية فى إسرائيل.
ويعتقد المحلل آرى شافيط أن إسرائيل تواجه نقطة اللاعودة وتلفظ أنفاسها الأخيرة بسبب عملية تدمير ذاتى ومرض سرطانى يصل إلى مراحله النهائية. أما بينى موريس، المؤرخ الإسرائيلى، فيعتقد أن إسرائيل ستشهد انحلالاً وغوصاً فى الوحل، متوقعاً تحول اليهود إلى أقلية.
نتنياهو نفسه لمّح إلى فكرة زوال إسرائيل قبل أحداث 7 أكتوبر، حين حذر من نهاية الدولة بسبب رفض بعض المواطنين الإسرائيليين الخدمة فى الجيش، أما الحاخام شمعون بن يوحاى، وهو من أيقونات الحاخامات التاريخيين لليهود وعاش فى القرن الثانى الميلادى وله قبر يزوره اليهود سنوياً فى جبل ميرون القريب من مدينة صفد، فذكر نبوءة فى كتابه «الزوهار» عن مصير إسرائيل تقول: «يأتون من أرضٍ بعيدة إلى جبل إسرائيل العالى، ينقضون على الهيكل ويطفئون الأنوار، يعبرون فلسطين ناشرين الدمار الكامل ولا تخلص إسرائيل، وكل من صودف طُعن، وكل من وقع أُخذ بالسيف، وكل من يتلو (اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا) يُقتل، وسيهرب بنو إسرائيل حتى سهل أريحا، ثم يأتى أبناء آشور فيدمرون إسرائيل»
المتابعون والمحللون والمراقبون يرون أن هناك عدة أسباب ترجح تحقق لعنة العقد الثامن، وهى انتشار الفساد داخل إسرائيل، وتراجع روح التضحية والقتال بالجيش، وتنامى دور المقاومة فى غزة ونجاحها فى ربط وتجميع الرأى الفلسطينى، والتغيرات الديموغرافية فى إسرائيل بسبب نمو السكان الفلسطينيين، والتغيرات الاقتصادية داخل إسرائيل وتغير دعم التحالفات الدولية.
حالة من الترقب المغلف بالقلق والتوتر تسيطر على كل مواطنى الكيان الصهيونى وحتى مناصريه على مستوى العالم لمعرفة نهاية الحرب الدائرة الآن مع كتائب المقاومة الفلسطينية لأنها ستحدد شكل ومستقبل وعمر إسرائيل، وهل ستتحقق النبوءات الخاصة بلعنة العقد الثامن أم تنجو إسرائيل من براثن هذا الفخ وتستمر مؤقتاً لحين اشتعال جولات جديدة من الصراع الوجودى فى أرض الأنبياء؟!