الصين والعرب.. ألفة واحترام

رفعت رشاد

رفعت رشاد

كاتب صحفي

من الأحداث المهمة خلال الأسبوع المنصرم، انعقاد الدورة العاشرة للاجتماع الوزارى لمنتدى التعاون الصينى - العربى فى العاصمة الصينية بكين. تأسس المنتدى عام 2004 بين الصين وجامعة الدول العربية، التى تضم 22 دولة هى أعضاء جامعة الدول العربية. شارك فى المنتدى أربعة قادة عرب هم حكام مصر وتونس والإمارات والبحرين. لفت انتباهى فى الكلمة التى ألقاها الرئيس الصينى شى جين بينج إشارته وإشادته «بالحس العميق بالألفة» بين الصين ودول الوطن العربى، وقال: إن الصداقة قديمة بين الصين كدولة والشعب الصينى وبين الدول العربية والشعوب العربية، وهى ممتدة على مدى تاريخ الحضارتين اللتين ربط بينهما طريق الحرير القديم.

كتبت منذ أيام عن كراهية الشعوب العربية لأمريكا وربما الأنظمة أحياناً، حسب الظروف، ومن المناسب أن أكتب هنا عن الألفة والود العربى للصين. فالصين لم تؤذ العرب فى شىء، بل دعمت دوماً الحق العربى، وفى هذا المنتدى جدد الرئيس الصينى تعهد بلاده بمواصلة دعمها بثبات إقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحصول فلسطين على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة. الفرق كبير بين دولة كبرى مثل الصين تصيغ علاقاتها مع الدول العربية بمنطق الحقوق السياسية والسيادية وتعميق التعاون فى كل المجالات بما لا يضر بمصالح العرب، وبين أمريكا التى يمكنها فى لحظة وقف الحرب على غزة وقتل المدنيين وتدمير كل شىء لكنها تدعم إسرائيل ولا تحترم الحقوق العربية.

يشير انعقاد المنتدى ونتائجه الإيجابية إلى أمرين، الأول أن العالم ينظر للعرب أو يتوقع منهم الاتحاد، ويؤدى هذا الاتحاد إلى زيادة الاحترام لمكانة العرب وقوتهم فى مواجهة التكتلات الدولية والتوازنات على الساحات العالمية والإقليمية، وهذه النظرة تحقق للعرب قيمة مضافة فى مجالات القوة بكل مفرداتها، الأمر الثانى أن الصين دولة تتعامل باحترام مع دول العالم المختلفة، وتدرك مكانة الدول ولا تطمع فى السيطرة عليها قهراً. تتعاون الصين من خلال اتفاقات ومراسم دبلوماسية وسياسية تحقق بها مع الأطراف الأخرى فوائد متبادلة فى كل المجالات وتعمق معها العلاقات بدون الإضرار بالآخرين.

خلال المنتدى وقعت الدول العربية والصين اتفاقيات تعاون فى إطار مبادرة الحزام والطريق، وأكد الرئيس الصينى أن بلاده ستواصل تعزيز التعاون الاستراتيجى مع الدول العربية فى مجالى النفط والغاز ودمج أمن الإمدادات مع أمن السوق، وقال إن الصين جاهزة للعمل مع العرب فى مجال البحث والتطوير لتكنولوجيا الطاقة الحديثة وإنتاج المعدات. ولا يقتصر الأمر على ذلك فقد تضمن إعلان بكين النهائى أن تقدماً وتوافقاً مهماً تحقق فى هذا المنتدى بعد تنفيذ مقررات القمة العربية الصينية عام 2022، وهو ما يوضح المسار العملى لتعزيز بناء مجتمع ذى مصير مشترك بين الصين والدول العربية. وأكد إعلان نتائج المنتدى أن الصين والدول العربية ستواصلان دعمهما المتبادل فى جميع المجالات والمصالح الأساسية وتعميق التعاون العملى وترسيخ مواقفهما المشتركة بشأن الاستقرار السياسى فى منطقة الشرق الأوسط، وتعزيز الحوار بين الحضارات ومكافحة الإرهاب وتعميق حقوق الإنسان والتعاون فى مجال الذكاء الاصطناعى وقضايا تغير المناخ.

جدد الرئيس الصينى فى كلمته الحديث عن النضال المشترك من أجل التحرر ونيل الاستقلال، مؤكداً أن العلاقات العربية الصينية ترقى إلى أفق ومستويات جديدة بشكل متواصل ومستمر فى القرن الحالى، مشيراً إلى أنه فى ظل الوتيرة المتصاعدة للتغيرات العالمية والتى لم يشهدها العالم منذ قرن مضى فإن الصين والعالم العربى يتحملان مسئولية إنجاز مهام العصر المتمثلة فى تحقيق النهضة القومية وتسريع البناء الوطنى.

إن التعاون الصينى العربى يجد صدى إيجابياً للغاية لدى الرأى العام العربى، الذى يدرك الفرق بين سياسات الدول الكبرى تجاه قضاياه ومصالحه الوطنية. كانت القمة العربية الأولى فى السعودية وتأتى الثانية -قريباً- فى بكين تجسيداً لبناء مستقبل عربى صينى مشترك يحقق مصالح الشعبين السياسية والتنموية والأمنية. ولا تقصر الصين فى القيام بدورها ومسئولياتها فى هذا المضمار فهى تواصل تعزيز التعاون الاستراتيجى مع العرب لبناء أعلى مستوى من الثقة، وقد رسخت السياسة الصينية الحكيمة مكانة الصين داخل الوطن العربى، وصار لها 14 اتفاقية شراكة مع دول عربية بما فيها فلسطين وسوريا.

تلتزم الدول العربية بمبدأ الصين الواحدة، وفى المقابل تلتزم الصين بثبات بدعم جهود القضايا العربية. إن التعاون الصينى العربى يفيد ما يزيد على مليارى إنسان على ظهر الكوكب فى إطار من الاحترام والتقدير.