«CNN» حين يكون الصمت أفضل من الثرثرة

لينا مظلوم

لينا مظلوم

كاتب صحفي

عبر التاريخ ترقى السياسة الخارجية المصرية بنفسها عن المراهقة السياسية من مبالغات وصيغ التهديد والوعيد، تحديداً منذ 2014 اتسمت تصريحات القيادة السياسية والدبلوماسية المصرية بالمعنى الدقيق والمدروس لكل كلمة تصدر منها إلى العالم.

الأسبوع الماضى صدر تصريح عن مصدر رفيع المستوى أن احترام مصر لمعاهداتها الدولية لا يمنعها من استخدام كل السيناريوهات المتاحة للحفاظ على أمنها القومى.

فيما يمثل تطوراً خطيراً بعد تجاوزات الكيان الصهيونى فى استغلال صبر وحكمة المفاوض المصرى وإصرار إسرائيل على المضى -رغم عزلتها عن دول العالم- فى عبثها الدموى.

هذه الخطوة التصعيدية عجزت أمريكا وإسرائيل عن فهم الرسالة الخطيرة التى حملتها، كما حدث سابقاً فى التقاط مغزى الرسائل والتحذيرات المصرية عن خطورة الالتفاف حول الحل الوحيد.. إقامة دولتين وفق قرار مجلس الأمن 242 ورفض مصر لسيناريوهات تصفية القضية الفلسطينية.

إذ لا تتوقف زيارات كبار مسئولى الولايات المتحدة عن طرح مساومات غير مجدية على دول عربية بهدف تغيير مواقفها وإجراءات اتفاقات تطبيع مع الكيان الصهيونى مقابل وقف عملية اجتياح رفح الفلسطينية، رغم كل الشواهد والأدلة على عدم احترام إسرائيل لأى من اتفاقياتها ومعاهداتها السابقة.

الأكثر إثارة للدهشة هو الصمت الأمريكى التام أمام تأكيدات قاطعة عن رفض رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو وحكومته المتطرفة إقامة دولة فلسطينية، طبعاً هنا يفرض التساؤل نفسه حول اقتصار دور الوسيط الأمريكى على عقد معاهدات منفردة بين دول عربية وإسرائيل أم إيجاد حل شامل للقضية الفلسطينية.

الكيان الصهيونى فشل فى استدراج مصر إلى صراع يعلم قادتها العسكريون أن إسرائيل ستدفع الثمن باهظاً فى حال المواجهة المباشرة، بالتالى تواجه إسرائيل حالة التفكك السياسى الداخلى غير المسبوق على الصعيد الشعبى والسياسى، بالإضافة إلى عزلتها عن المجتمع الدولى بنفس أدوات التخبط والفشل العسكرى الذى أدارت به معاركها فى غزة منذ 7 أكتوبر الماضى، حتى أبواق آلاتها الإعلامية عجزت عن الاستمرار فى ترويج الأكاذيب التى حاولت إسرائيل تصديرها للعالم خلال الأسابيع الأولى من بدء عملية طوفان الأقصى.

جنون الكيان الصهيونى فى الضغط والتصعيد بما قد يمس الأمن القومى المصرى بالتأكيد سيدفع مصر إلى إعادة التفكير فى أوراقها السياسية.

فالمؤكد أن هذيان اليمين الإسرائيلى المتطرف حول سيناريو التهجير ورفض إقامة الدولتين يمثل اعتداء غير مباشر على الأمن القومى المصرى.

أمام فشل محاولات إسرائيل إما لتغيير مواقف مصر الثابتة أو جرها إلى دوامة مراوغات سياسية من شأنها تصعيد الصراع وتهديد الأمن القومى للمنطقة العربية، وجه الكيان الصهيونى تعليماته إلى آلة الإعلام الأمريكى.. الحليف الوحيد الذى بقى فى الساحة الدولية مدافعاً عن جرائم هذا الكيان.

وسائل الإعلام الأمريكية طالما مارست تزييف الحقائق وهى تبث مزاعمها من داخل مكاتب صحفييها وإعلامييها ومراسليها فى واشنطن، إذ ما زالت لقطات مراسلة سى إن إن بيكى أندرسون حاضرة حين كانت تجوب شوارع القاهرة فى يونيو عام 2013 وسط تجمعات شراذم جماعه الإخوان المنحلة دون أن يلفت نظرها أكثر من 35 مليون مصرى امتلأت بهم ميادين وشوارع مصر! رغم أن العنوان كان يلخص الموضوع بوضوح «إنها إرادة شعب».

لكن واقع الإعلام الأمريكى فى نقل ما يحدث فى مصر وغيرها من الدول العربية أنه لا صوت يعلو فوق صوت الإملاءات والأهداف السياسية الأمريكية - الصهيونية.

سى إن إن «المهنية» نشرت تقريراً يتعرض للأجهزة الأمنية المصرية.. أبجديات الإعلام والصحافة تحتم وجود أى حقيقة تؤكد المعلومة الواردة فى أى تحقيق. هنا القارئ أمام كلمات مرسلة ومزاعم عبثية المفترض أنها نسبت لثلاثة مصادر مجهولة! هو سرد أقرب إلى الثرثرة وقطعاً لا يرقى إلى مرتبة تقرير خبرى صادر عن مؤسسة إعلامية.

التوقيت أيضاً مريب إذ رغم توقف مفاوضات التهدئة منذ أسبوعين، لم يتذكر الإعلام الأمريكى إطلاق هذه الأكاذيب إلا بعد ساعات من صدور التحذير المصرى لإسرائيل معلناً حق مصر استخدام كل السيناريوهات المتاحة لصد المطامع الإسرائيلية من المساس بأمن مصر القومى وحقوق الشعب الفلسطينى.