حزب الوفد.. إلى أين؟
عندما نتكلم عن حزب الوفد فإننا نتكلم عن حزب له وضع شديد الخصوصية فى تاريخ الحركة الوطنية المصرية، حزب يقترب عمره من القرن، قاد حركة الكفاح الوطنى قبل ثورة يوليو، كان حزب الأغلبية وشكل معظم الحكومات على مدار ٢٨ عاماً من ١٩٢٤ وحتى ١٩٥٢، وتم حله كسائر الأحزاب فى عام ١٩٥٣ حتى إذا عاد مع استئناف التعددية الحزبية فى السبعينات استشعر منه السادات الخطر على حزبه الوطنى الديمقراطى، فاستهدفه بحملة شرسة، اختفى الحزب عن الساحة السياسية بعد شهور قليلة من ظهوره تحت اسم حزب الوفد الجديد، ثم عاد للظهور فى عام ١٩٨٤. هذه المسيرة المتعرجة للحزب بفعل تطورات النظام السياسى المصرى تركت آثاراً ثقيلة على توجهه وتماسك بنيانه، فلم يكن حزب الوفد الجديد الذى ظهر فى عام ١٩٧٨ هو نفسه الحزب الذى أسسه سعد زغلول فى عام ١٩١٩، وكان أول خروج على مبادئ الحزب الراسخة تحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين فى الانتخابات التشريعية عام ١٩٨٤ وحصول قائمتهما معاً على ٥٧ مقعداً ذهب ٦ منها للإخوان. مثل هذا التحالف لم يكن متصوراً فى مرحلة ما قبل الثورة وفى ظل الشعار الذهبى: الدين لله والوطن للجميع، وبالتالى فإنه سوف يظل المؤشر الأهم على اضطراب بوصلة الوفد الجديد اضطراباً أخرج من صفوفه بعض أبرز الأسماء الوفدية. ومع أن ظاهرة الانشقاقات داخل الأحزاب السياسية العربية هى ظاهرة عامة بامتياز فإن انقطاع المسيرة التاريخية للوفد مسئول عن تضخيمها فى حالته وصولاً إلى الأزمة العميقة الراهنة. خذ مثلاً حزب الاستقلال فى المغرب، وهو الحزب الذى يشبه حزب الوفد فى قيادته الحركة الوطنية ضد الاستعمار، والذى تعود جذور نشأته إلى ثلاثينات القرن الماضى أى أنه أقدم أحزاب المغرب بامتياز، فعلى الرغم من أنه عانى من انشقاقات عديدة أبرزها خروج حزب الاتحاد الوطنى للقوات الشعبية من تحت عباءته، إلا أنه لم يعاصر انقطاعاً فى مسيرته بخلاف الوفد فالأحادية الحزبية ممنوعة بنص الدستور، الأمر الذى ساعد على إنضاج تجربة الاستقلال وعزز قدرته على التماسك فى مواجهة عوامل الطرد الداخلية. شارك الاستقلال فى العديد من الحكومات المغربية وترأس إحداها وانسحب من حكومة حزب العدالة والتنمية (الإسلامى)، ساهمت ذراعه النقابية (الاتحاد العام للشغل) بقوة فى التفاعل حول القضايا الاقتصادية داخل المجتمع، وما زال يمثل رقماً مهماً فى المعادلة السياسية المغربية. بقول آخر اختلاف البيئة التى ينشط فيها حزبا الوفد والاستقلال تقدم تفسيراً جزئياً للسؤال: لماذا يصمد الاستقلال ويتصدع الوفد؟
إضافة إلى هذا الانقطاع فى مسيرة الوفد كجزء من تفسير أزمته، فإن غياب المؤسسية يعد عاملاً أصيلاً لا يمكن إنكاره، فالوفد هو الحزب الذى تطور من كونه التنظيم الذى يسيره الزعيم الملهم إلى كونه التنظيم الموزع بين شلل وأجنحة. مثل هذا التطور حلله بامتياز وحيد عبدالمجيد فى مقاله بـ«المصرى اليوم» قبل أسبوع وأرجع بدايات التحول للشللية إلى نهاية رئاسة نعمان جمعة بكل ما ميزها من عصف بالحريات واستبداد بالسلطة. ومن هنا تصبح مسألة تعديل اللائحة الداخلية فى صلب الصراع السياسى داخل الوفد، ومن دون إدخال تغييرات فعلية على تلك اللائحة فى اتجاه مأسسة الحزب وتدعيم أجهزته التنظيمية وإشراك المستويات الوسيطة والدنيا فى عملية صنع القرارات، ستظل الصلاحيات شديدة الاتساع للرئيس منتجة للأجنحة المتصارعة، خصوصاً فى ظل مناخ عام يغذى الاحتراب السياسى، وكمثال بينما كان الرئيس السيسى يجتمع بفرقاء الوفد لرأب صدع الخلاف بينهم، كان عبدالرحيم على يذيع تسجيلات للسيد البدوى ويثير علامات استفهام حول التداخل بين النشاط الخاص لرئيس الوفد وبين أعمال الحزب الذى يترأسه، وبالتالى فَلَو تصورنا أن الوساطة الرئاسية قادرة على تسكين الخلاف بين جناحى البدوى وبدراوى، فما أثر التنصت على «البدوى» ورجاله على مثل هذا الخلاف؟
إن إنقاذ الوفد مهمة وطنية ليس لاعتبارات قصيرة النظر تتعلق بالانتخابات التشريعية المقبلة ودور الوفد فيها، لكن لأن الوفد هو رمانة الميزان الحزبى فى مصر، وقد طرحت عدة أفكار منها ما يتعلق بتشكيل مجلس رئاسى لحين انتهاء فترة رئاسة البدوى، يعكف على مأسسة الحزب وإعادة تشكيل جمعيته العمومية التى تنتخب الهيئة العليا، ويعدل اللائحة الداخلية لمزيد من توسيع المشاركة فى صنع القرار، هذا إذا كان هناك وعى بخطورة الموقف وضرورة الإنقاذ.