خسارة إسرائيل لاتفاقية السلام أكبر من كل الحروب

أميرة خواسك

أميرة خواسك

كاتب صحفي

نشرت صحيفة أمريكية هى (وول ستريت جورنال) تقريراً عن مسئولين مصريين، لم تحددهم، قولهم إن مصر تدرس خفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وذلك من خلال سحب السفير المصرى فى «تل أبيب»، بعد الانتهاكات الإسرائيلية فى رفح الفلسطينية، وأنه لا توجد خطط فى الوقت الحالى لتعليق العلاقات أو الانسحاب من اتفاقية كامب ديفيد، التى وقعت على أثرها معاهدة السلام عام ١٩٧٩.

هذا ما أكده أيضاً وزير الخارجية المصرى سامح شكرى، قبل عدة أسابيع، بالتزام مصر باتفاقية السلام مع إسرائيل وأنها سارية منذ أربعين عاماً.

لكن تصريحات وزير الخارجية، التى نفى فيها ما يخص الاتفاقية، كانت قبل ما أقدمت عليه حكومة نتنياهو فى رفح الفلسطينية، وانتهاكها لمعاهدة السلام، لكن هذا أيضاً لا يعنى استمرار ضبط نفس الدولة المصرية التى لا تزال تتبع كل الطرق الدبلوماسية التى تجيدها باقتدار وبخبرة كبيرة مدرسة الدبلوماسية المصرية.

من المؤكد هنا أن إسرائيل ستكون هى الخاسر الأكبر لو نفد صبر مصر وأقدمت على تلك الخطوة، فمن المعروف أنه منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، ثم من بعدها الأردن وفلسطين، ممثلة فى منظمة التحرير، منذ ذلك الحين وإسرائيل تنعم بسلام لم تنعم به من قبل، دفع عدداً من الدول العربية الأخرى لإقامة علاقات معها، ولم يكن يتبقى لها سوى الحل الداخلى للقضية الفلسطينية، وبدلاً من ذلك اصطنعت إسرائيل جماعة حماس لضرب السلطة الفلسطينية وتفتيتها. فكانت «حماس» هى من مرغت غطرستها وفضحتها فى العالم أجمع.

هكذا وبدلاً من أن تمضى إسرائيل فى طريق السلام وكان أمامها أكثر من مبادرة عربية كانت ستمنحها فرصة تاريخية، ابتليت بحكومة غبية على رأسها رجل مريض بالبارانويا، مستعد لخرق كل الأعراف والقوانين الدولية وقتل الآلاف من أجل بقائه على رأس السلطة، ثم يمضى لخرق الاتفاقية الدولية التى أمّنت حدوده الغربية لأربعة عقود، ويختبر صبر الدولة المصرية العريقة.. فهل هناك من مسئول أغبى من هذا الرجل؟

لقد مرت اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية باختبارات كثيرة منذ توقيعها، الذى لم يكن سهلاً على مصر، وقد دفعت ثمنه غالياً، وعانت من المقاطعة والحصار الاقتصادى، وتم تخوين رئيسها البطل أنور السادات، الذى دفع حياته ثمناً لشجاعته، ثم عانت من التعالى عليها باسم إقدامها على التطبيع، واستطاعت الحكومة المصرية أن تمضى فى التزامها بالاتفاقية، وتركت الشعب يتخذ ما يرتضيه من رفض لها على المستوى الشعبى، على أمل أن يسود السلام فى يوم ما.

المعروف عن اليهود، وهم من قامت عليهم دولة إسرائيل، أنهم يدركون مصالحهم جيداً ويسعون إليها، ويعلمون أن السلام سيمنحهم فرصاً أكبر بكثير من تشتتهم فى حروب داخلية وخارجية، وهذا ما أيقنه زعماؤهم الذين سعوا مع «السادات» إلى طريق السلام، ومنهم جولدا مائير ومناحم بيجين وشيمون بيريز وإسحاق رابين، لقد كانوا يدركون أن إسرائيل لن تستطيع أن تستمر فى حروب داخلية وخارجية إلى الأبد، ومن الواضح أن «نتنياهو» وحكومته لا يدركون هذه الحقيقة.

لكن عليه أن يدرك جيداً أنه لو دفع مصر للانسحاب من اتفاقية السلام فستكون خسارته أكبر بكثير من كل خسائره فى غزة ورفح، بل من كل الحروب التى خاضتها إسرائيل.