ماذا نفعل لنصرة أهل غزة؟

تتخبط منطقة «الشرق الأوسط» فى ظلام هالك بحثاً عن طوق نجاة، فما زالت القضية الفلسطينية سجينة إسرائيل، ورهينة شعبها من المتطرفين، بين ساسة لا يحملون عقولاً وعسكر بلا قلوب.

استدعت غزة كل العذاب، ويسدد شعبها الطيب المسكين الفواتير كلها وحده، وتقدم المدينة الباسلة من دماء أبنائها قرابين لا تُشبع الشراهة الصهيونية التى تسعى إلى المزيد. متى سيتوقف القتال؟، وكيف ستدار غزة بعد انتهاء المعارك؟، وهل هناك أى فرصة للحديث مرة أخرى عن السلام؟، هذه بعض أسئلة الساعة فى العالم العربى.

ستسمع بعدها صوت همهمات حزينة وغير مفهومة، تهتز بعده رؤوس الأشهاد كأنها تحوى إجابات، لكن الألسنة تتجمد قبل أن تنطق بأى حرف، فلا أحد يقدر على نطق ما يريح البال، وسط بحور الدماء يتعطل حتى الخيال، ومن يملك زخماً معلوماتياً كمن عاش بعقل فارغ، كلاهما يترنح من ثقل الأيام وتلاحق الأحداث ولا يستطيع التخمين أو حتى قراءة الطالع، والجميع يدرك أن القضية ستبقى معلقة، فما جرى فى حرب الشهور السبعة الماضية، هو كارثة إنسانية لن يزيل آثارها وقف القتال تحت أى مسمى.

عقب صلاة الجمعة الأخيرة، سألنى ابنى الأكبر: «فى كل صلاة جمعة ندعو لأهل غزة وفلسطين ربنا ينصرهم وينهى محنتهم.. وحضرتك وجدو أكيد كنتم بتدعوا من قبلنا بسنين.. وكل المسلمين وأكيد برضه الفلسطينيين زمان ودلوقتى.. ملايين ملايين الدعوات، ليه بقى ما مفيش استجابة من ربنا؟».

نظرت له وأجبت هامساً: «جايز دعانا مش مقبول، وجايز الإجابة فى زيادة الابتلاء واستمراره». قال لى: «هو حضرتك مش مقتنع؟».

أجبته نافياً، وموضحاً أن ما يحدث للشعب الفلسطينى فى غزة مأساة متكاملة الأركان، وعذاب يفوق طاقة البشر على التحمل، والتمادى الصهيونى بمباركة غربية، يزيده ألماً عدم قدرة أى من الدول العربية أو الإسلامية على وضع حد لهذا العدوان الغاشم، وأكملت: «عارف إن جواك بيصرخ وإنت شايف اللى بيحصل وبتقول يا رب حرام.. كفاية». قال لى: «صح.. أنا وكل صحابى فى المدرسة هنتجنن، إزاى العالم ساكت على المجزرة اللى بتحصل، وإزاى ربنا سايبهم يفتروا على المسلمين كده».

قلت له: «لازم ثقتنا فى ربنا تبقى كبيرة زى إخواتنا الفلسطينيين، شوف إيمانهم قوى إزاى.. صامدين من سنة 48 وقبلها كمان بسنين، وصابرين ولسه بيتقربوا لله بالدعاء ومؤمنين بأنه حتماً يستجيب».

ثم أخبرته بأن الثقة والإيمان يتبعهما الرضا بالقدر حلوه ومره، خيره وشره، وتقبل ما قد يحمله من بلاء، وأكملت: «فالمولى عز وجل يرزق أهل فلسطين لطفه ليخفف به عنهم وحشية الصهاينة، هو لطف لا نراه ولا نشعر به نحن المتابعين عبر شاشات التليفزيون، لطف يمكن أن تتخيله، لأنك أكيد مر بك ابتلاء من قبل وأدركت فيه رحمة المولى عز وجل ولطفه».

فقال لى: «ليه الناس الغلبانة دى يحصل لها كده، اشمعنى هما، إيه ذنبهم!». قاطعته بحماس قائلاً: «وإيه ذنب السودانيين واليمنيين، اللى دمرتهم حروبهم الأهلية، وأهل ليبيا اللى دمرتهم السيول من شهور، وقبلهم أهل المغرب اللى دمرهم زلزال قوى، وقبل الجميع ولا تزال سوريا الشقيقة فى حرب لا تنتهى تخللها زلزال مدمر، خلف بؤس كبير». رد حائراً: «صحيح إيه العذاب والدمار ده كله».

ذكّرته بقصة الخضر وسيدنا موسى، وأخبرته مختتماً حديثنا قائلاً: «يا ولدى إن تجلى الحقائق وكشف الأسرار وفهم الأسباب، من نعم المولى على عباده عند قيام الساعة، ولا يفوز بها إلا المخلصون».

وعلق فتاى اليافع بسؤال يائس، وهو يغادرنى: «ألا نملك لهم إلا الدعاء؟»، فاستوقفته موضحاً أن الدعاء من خير الأعمال ويجوز لنا أن نصفه فى هذا الموقف بأضعف الإيمان.

فسألت نفسى بما تكرر طرحه مؤخراً من كثيرين من الزملاء الكتاب والمفكرين: «هل بيدنا أن نفعل أكثر من الكلام والكتابة لمناصرة أهل غزة والشعب الفلسطينى فى هذه المحنة الكبرى؟».

فى رأيى، إن استمرار جهود الإغاثة الإنسانية يعتبر رافداً مؤثراً وحيوياً من روافد المناصرة، ولمسنا جميعاً جهوداً مصرية كبيرة فى هذا الأمر، تحول إلى ملحمة عطاء شاركت فيها جموع الشعب المصرى بمختلف طوائفه، تتقدمهم مؤسسات المجتمع المدنى وترعاهم القيادة السياسية وتدعم الجهود بما تيسر من إمكانيات وتسهيلات لوجيستية.

وأخيراً فإن توعية الشعوب بالقضية الفلسطينية وبالحق الفلسطينى، وخاصة الأطفال والشباب هو دور أصيل وجب على كل منا أن يتطوع لأدائه بين الدوائر المحيطة به، وهذا أيضاً من أضعف الإيمان، وأطيبه، فى ظل عدم قدرتنا على تقديم المزيد.

وختاماً، اللهم إنا نستودعك أهل غزة، اللَّهُم كُن لهم عوناً، اللهم إنا لا نملك لغزة إلا الدعاء فيا رب لا ترد لنا دعاء ولا تخيب لنا رجاء وأنت أرحم الراحمين.

اللهم احفظ فلسطين وأهلها، اللهم كن لأهلنا هناك عوناً ومعيناً، وللمسجد الأقصى حافظاً وأميناً، اللهم إنا نستودعك غزة فاحفظها بحفظك يا خير الحافظين.

اللهم آمين.